الخميس، 17 يونيو 2010

مـــذكـــرات مــــتـــــ -5- ــــــــــمــــــــــردة



-9-

إنه شهر يناير أشعر بالوحدة احيانا و لا أشعر بالبرودة .إعتادت جورية إبنتى النوم جوارى فى غرفتها ؛ فأصبحت غرفتى مهجورة تبيت فيها والدتى إذا ما رحبت بفكرة المبيت عندى . مسؤلياتى عديدة تجاه عملى و الاهتمام بإبنتى و والداتى و أصدقاتى و معارفى و نفسى . أشعر بالفراغ التام فى بعض اللحظات التى تمر وكأن الدهر متوقف عندها او لا يكاد يمر ..

أما إبنتى فهى الان 14 ربيع ، نحن صديقتان تبوح كل منا للأخرى بما يجول بخاطرها و تنفض عنها ما يقض مجضعها .دوما كنت أتخيل شعورى حين ستسألنى إبنتى حول علاقاتها بالأخرين أو الجنس الاخر ؛ وكنت اشعر بالفضول حول إحساس أم لفتاه مراهقة عنيدة أحلامها هاربة كأمها فى عالم ملئ بالصدمات .جوجو أبنة الـ 14 بكت حين عرفت ان زميلها بالفصل معجب بزميلة لها لا تحبها ظللت اهون عليها انه لا يستحقها و ان الافضل ان تحب من يستحق حبها . راحت تسألنى عن حب حياتى كيف كان .

جورية : ماما أنتى حبيتى قبل كده ...؟ (تبتسم ابتسامة طفولية)
آسيل : طبعا حبيت .. مفيش حد يعيش من غير حب .
جورية : أحكيلى .. أحكى يا ماما...(بإهتمام) كان فى حد قبل بابا .
آسيل : أنا حبيت ابوكى ده حب ...مفيش قبله ..و انا صغيرة كان فى معجبين بأمك كتير ..أصلها كانت حلوة .
جورية : طيب مانتى حلوة يا ماما .. مش انا شبهك ..
آسيل : اتنى قمر .. بنوتة صغنونة لسة ...الفترة دى كان فيها إعجاب ..الإعجاب ده قريب من الحب ، بس الحب أقوى و أعمق و مبيتنسيش ...
جورية : طيب و النبى يا ماما قوليلى أنتى حبيتى بابا إزاى ...(و تضحك)
آسيل : شوفته اول مرة عندنا فى البيت كان جاى يشوفنى علشان يرتبط بى ..لما شوفته قلت ده شخصية صعبة اوى ..لما اتكلمنا سوا حسيت انه ...حسيت انى عاوزة اتكلم معاه تانى ... شوفته بعدها مرتين لوحدنا و قعدنا نتكلم مش فاكرة عن ايه بس كان بيضحك و عنيه كانت جميلة ...(تقاطعنى )
جورية : بابا رموشه طويلة ...و عنيه ضيقة أصلا ... شوفتيهم ازاى دول ..(تضحك بصوت عالى)
آسيل : بس عيب ده بابا ... انا حسيت به من أول مرة ...أكترمن مرة حسيت به فعلا .. بعد كده قلت ده الراجل اللى هكون معاه.. مرة لما كنا مخطوبين مشينا كتير لحد ما رجلى وجعتنى ..فقالى لو الدنيا تعبتك انا هنا علشان ترتاحى ...كنا ساعتها صغيرين بنتمشا على الكورنيش ... لف ناحية النيل و هو ماسك ايديا ..و فجأة بص فى عنيى بقوة (بعنياه الضيقة) قالى آسيل أنا بحبك أوى ...كان كل فين و فين عقبال ما يقول كلمة حلوة ...
جورية : هو الحب بيضيع لما الناس بتتجوز ليه ؟
آسيل : مين قال الحب بيضيع بعد الجواز ..الحب بيزيد يا جورية علشان اكتر اتنين بيكونوا قريبين لبعض هما الازواج لما تكبرى هتفهمى و تعرفى ...انا كنت بحب بابا و بابا كان بيحبنى و محدش بيقدر يكره حد حبه حتى لو متضايق منه ..
جورية : و أنتم متجوزين كان بيحبك يا ماما ...؟
آسيل : أيوة طبعا ..مرة كنت بعمل الغذاء و نسيت حاجة على النار و رحت عملت حاجة تانية ..كنتى منورتيش ساعتها الدنيا لسة ...لما رجعت نسيت إنها سخنة و مسكتها بأيدى فأتلسعت و صرخت و فورا لقيت أطراف صوابعى احمرت ... بعد كام يوم كان الحمد لله خفت لكن لسة اطراف صوابعى ملتهبة ؛ مسك أكرم أيدى و طبع بشافـيفـه على كل طرف بوسة ، و قالى " كده تحرقى صوابعك حبايبى..و حتى الحرق مش عارفة تتلسعى كويس ...! "
جورية : قــــــــــــهــــــــــقـ
ـــهــــــــة مــــــــتـــــواصــــــــــلـــــــــة

أستحضرت هذا الموقف من ذاكرتى كيف كنا و كيف بات بيننا البعد .. كيف انه كان يتلذذ بمعانقتى و تدليلى . . كنت زهرة نحلتها تمتص الرحيق بكل شغف ... الزهرة تكون مقفلة حتى تفقدها عذريتها قطرات الندى ..غير انى صرت زهرة مقفلة على كل ما بها ...و كيف تكون زهرة وسط صحراء الحياة ...

جورية : مفكرتيش ترجعو تانى يا ماما ...؟؟؟
آسيل : أنتى مش صغيرة ..أنا هكلمك بصراحة ..أنا بحب بباكى ..لكن حسيت ان الافضل انى ابعد عنه الفترة اللى فاتت علشان اقدر استعيد توازن حياتى...طبعا فكرت لو نرجع بس كان لازم بابا هو اللى يحاول مش انا اللى ابادر بالخطوة دى ...
جورية : يعنى لو قالك ترجعى ..هترجعى يا ماما ؟
آسيل : أفكر ... لو قلها و أنا حسيتها منه أكيد هنرجع ...
جورية : ( تنظر فى حسرة ..تتامل الساعة التى قاربت الـ 3 بعد منتصف الليل ...) انا عنيى بتقفل خلاص ..هـنروح بكرة عند خالو و هـتسبينى انزل" البسين" .. متقوليش ... استنى رحاب و مازن ...اوكى .
آسيل : سهرتينى يا لمضة ..ربنا يسهل بس نصحى الصبح و يحلها ربنا ...

نامت هى و تركت الاشواق ساهرة ..أدركت جيدا ان ابنتى تتمنى عودة والداها للبيت ..أنا ايضا أتمنى ذلك ...لانى أحبه ..لكن كرامتى المجروحة من يداويها غيره ...اشعر انى استعدت توازنى مرة اخرى و قدرتى على الحياة و لم أنسى سهيل يوما بحياتى ...لن أنساه مطلقا ...لكن أكرم هو أيضا كان يحتاج إلى فى وقت خذلته مثلما خذلنى ...كم أحسست بالحنق حين جاء فى حضور أخى محمود للإطمئنان على أبنتنا ...شعورى كان أكثر غصة حين بدت علاقتنا فى التحسن من أجل ابنتنا فصار يحدثنى هاتفيا للإطمئنان عليها ؛ صوته كان يعيدنى لذكريات لابد من تجاهلها...فى أحد مكالماته تعلل أن زوجته مريضة لذلك لم يستطيع ان يأتى لإصطحاب جورية فى نزهة...لم أظن مطلقا أن لقب" زوجتى " كزوجة لأكرم لم يكن يعنينى أنا . لم تكن هذة مزحة بالتأكيد لكنها كانت حقيقة مرة ...

أكرم : أسف يا آسيل بتصل فى وقت متأخر ...
آسيل : حصل خير يا أكرم ...
أكرم : فين جوجو ؟
آسيل : هى نايمة ...(كانت جوارى و تشير لى أنها لا تريد محادثة والداها و رفضت تماما)
أكرم : أنا غصب عنى ..مراتى تعبانة و كنت معاها عند الدكتور ..علشان كده مجتش اخد جورية ..قوليلها متزعلش و انا هأجى أخدها من المدرسة يوم الخميس و خاليها معاى ليوم السبت علشان هنروح اسكندرية يومين كده و عاوزها تيجى تغير جو ..ولا عندك مانع ؟؟؟
آسيل : لا أنت باباها ...مفيش مشكلة بس بدرى يوم السبت علشان يوم الحد هتروح المدرسة ضرورى ...
أكرم : و أنتى عاملة أيه ..أخبارك ؟
آسيل : أنا بخير الحمد لله
أكرم : لو عـزتى أى حاجة ..أنتى عارفة مقدرش أتأخر عليكى ..
آسيل : شكرا يا أكرم ...(فى خاطرى كنت أتسأل : ماذا لو أنى أريدك أنت؟ ).

بعد إنتهاء المكالمة أخذت جورية بالصياح فى ..

جورية : هو فاكر إن لما يقولى معلش ..هـسمحه كده ..لا و بيقولك خالها تيجى يومين معانا ..مين دى اللى اروح معاها ...
آسيل : (بحزم) جــورية ...اتأدبى و انتى بتكلمينى ..لو أتكلمتى كده تانى معاى و عن بابا أنا مش هـسمحلك ولا هسمع منك ولا هكلمك ..اتكلمى بأدب ...فى إيه حصل ظرف و مقدرش يجى ...انتى مش عاوزة تروحى اسكندرية دى حاجة تانية ...
جورية : أنا زهقت منكم .. (و تنصرف) .

اقف مذهولة أضم نفسى .. ألملم حطامى ...هذة ابنتى تحقد على والداها رغم حبها العميق له لانه متزوج من اخرى ..تحقد على و تحملنى سبب الطلاق ..أعلم انها تلومنى فى نظراتها الى ...هل خذلتها ..أم خذلتنى رغم اهتمامى برعايتها و تربيتها تربية مستقرة ...فكيف كانت لتكون هى لو انها نشأت فى بيت ترى امها راضخة لزواج والدها بأخرى ..او تأثرت بسوء العلاقة بيننا و بإحساسى أننى حية ميتة ...لم أستريح ليلتها مطلقا كنت أفكر فى كل تلك الاشياء و كيف كان صوت أكرم و طريقته التى تغيرت ..لم أشعر به فى مثل تلك التعاسة من قبل ....إنكسار ... شعرت بالغضب منه حين ذكر زوجته المصون ... "مراته" اللقب الذى لم يعرف به أحد غيرى ...و ربما لن يكون سواى بالنسبة لى فقط ... بعد اكثر من ساعة أتت جورية لتعذر عن سوء تصرفها و تعدنى أنها لن تعيدها قط ...سامحتها لانها مازالت طفلة لا تدرك انها تعبر عن أشياء ربما ستدركها حينما تكبر ...

إنها أجازة منتصف العام ...جورية عند محمود و تخرج يوميا مع رحاب و مازن اولاد خالها ...انا وحدى فى المنزل أدرس بعض أوضاع مدرستى الصغيرة ...الساعة السابعة مساء ..يرن هاتفى الجوال...ظننت إنها ابنتى أو محمود يطمئننى على الحال ...

آسيل : آلو ..
المتحدث : مساء الخير مدام آسيل ..أنا أحمد العزازى .. لو فكرانى
آسيل : آهلا دكتور أحمد.. أزيك و أزاى وائل ؟
المتحدث : أنا بخير الحمد لله و وائل تمام هو كان عاوز يكلمك و يطمئن عليكى .. معاكى أهو..
وائل : ألو ..إزيك يا ماما ...؟
آسيل : إزيك يا حبيبى ..عامل إيه؟
وائل : هتيجى أمتى ...؟
آسيل : قريب أوى ...قوم أنت بالسلامة و انا هجى و أجيب معاى اللعب اللى قلتلى عليها ...اسمع كلام دكتور أحمد.. أنت عارف هو بيحبك قد إيه ...
و ائل : أنا بحبه يا ماما ..حاضر ..

اتنهت المكالمة بعد ان اطمئننت على صحة الصبى و بوعد منى بشراء العاب و تقديمها له فى اقرب وقت بعد امتثاله للشفاء ...و سعدت بحديثى مع أحمد الطبيب ..بعد أن أكد لى أن وائل تتحسن حالته بعد سماع صوتى ...و اشار انه ايضا يكون سعيد بعد سماع صوتى و الاطمئنان على حالى ..

Wednesday,5 May 2010 
 
 
-10-
 
دوما كنت أحلم برجل أظنه استثنائيا ...ظننت يوما أنى سأقابله ، لذلك حين كنت أتعامل مع أى شخص كنت أتصنع برودا و لامبالاة وهما منى أنى بذلك ابعد ذاتى عن مطامع الطامعين و أصون قلبى لذلك المجهول الذى لطالما انتظرته ،و ضيعت سنينا كثيرة بحثا عن رجل وهمى لا وجود له .. بل أنى حفظت صورته فى خيالى الرومانتيكى و إنسرفت عن الرجل الحقيقى ظننا انه لن يكون أفضل من رجلى الحق ...
اكتشفت أنى مريضة بمرض عضال ..مرض الرومانتيكية ..تلك الرومانتيكية أصابتنى بتناقض حاد حيث انى دوما عاشقة أستمع لأغانى الرومانتيكية المريضة عن الحب و أتغانى بها ...قادنى حبى للفن و الادب الرومانتيكى السقيم إلى شيزوفرنيا من نوع خاص ..فما أن اتعامل مع أحدهم اخشى نظرة المجتمع لى كإمرأة ...بلا رجل ... مطلقة .. أخشى أن يطمع الذى فى قلبه مرض ...فكان الخوف من الاثم دافعا كى أصتنع لى رجلا وهميا ..

ثم حدث أنى قربت دكتور أحمد الى حياتى فكان صديق حقا ، يسمعنى حين تتكالب على المشقات و تزيد الحياة عنادا ...ثم بداء هذا التقارب يزيد و يزيد ، فصرت فردا من عائلته يتركنتى اتدخل فى شؤنه دون ضجر او تأفأف.حتى ابنتى جورية باتت تحبه و تحاوره و تشاكسه . أحمد العزازى واقع و ليس حلما اتخيله هو يريد القرب منى ليس طامعا فى علاقة او زواج بل اكثر ؛ قد عرف تلك الانسانة التى اكون عليها و تدارك جوانب أغفلها أكرم ...و لم يدعى ابدا المثالية و هذا ما أعجبنى فيه ..الحوار بيننا جسر متين فكنا نتحدث بالساعات نتناقش فى شتى المجالات: العلوم الحديثة و الثقافات المختلفة ..كان يتحدث دوما عن تجربته فى لندن و اليابان و كان ينتقد دوما سيجموند فرويد لنظرياته التى تحتاج الى دراسة متمعنة ...كان عاشق للأبنودى ..كان يفكر بعقل رجل ناضج و منفتح و مدرك لمشاعر المرأة و ثقافتها فى المجتمع العربى ...

الحب الذى بحثت عنه لا يعرف الإنتفاع او النفعية ولا يكون من أجل الإستغلال او من أجل مصلحة إقتصادية أو الحماية الاجتماعية .. وصمة عار بت أراها حين تتزوج إمرأة من رجل يحقق أمانيها المادية فقط فتكون تذكرتها فى عالم الزوجية جمالها و مدى إرضائها لذكورته ..و أن يكونا الحب و الزواج علاقة تجارية بين اثنين بعد أن تقدمت السنين بالفتاه ..فهى تبحث عن المخلص حتى يزيل عنها وصمة العنوسة ..إننا نعيش نكسة إنسانية قليل ما وجد علاقة حب حقيقية بين اثنين يكاد يكون معدوما ...فالعلاقة لا تقوم من أجل الحب أنما لأسباب أخرى.


دوما الرجل يكون أكثر من المرأة حظا فى الحرية داخل المجتمع فمع زيادة إحساسه بزهوه الطاوسى يتحول هذا الاحساس الى مبالغة فى السيطرة و الميل الى الانانية و السادية : فكم من زوج يتلذذ بعلاقاته خارج الزواج غير معتبرها زنا فهو يتعفف عن الرذيلة لكنه لا يجد عيبا فى علاقاته بأخريات مادام لا يوجد علاقة مظلمة محرمة..بل لفرط أنانيته لا تجد رجلا لقب بمطلق فى بطاقته الشخصية و تجد لقب مطلقة بالخط العريض فى بطاقة المرأة المطلقة ...كلما تمادى الرجل فى ساديته أصبحت سلبية المرأة و مبالغتها فى الخضوع و الماسوشية أكثر ضغطا و تشويها للعلاقة السوية بينهما .. و دوما ما يكون الرجل انانيا يغطى انانيته برداء مطرزا ؛ فغيرة الرجل على إمراته ليست الا انانية و حب للتملك فهى تصنف ضمن ممتلكاته كسيارته - و لعل السيارة أكثر قيمة - يخاف ان تسرق منه و حقده على السارق يكون أكبر بكثير من خوفه على الشئ المسروق . و حين تظهر أنانية الرجل فى كامل تأنقها تقابلها تضحية المرأة و إستسلامها ..المرأة ترى الحب تضحية .
و الحب لا يكون تضحية بالنفس و نكران الذات ...و الانسان الفاقد لنفسه او ذاته لا يستطيع الحب مطلقا ...لعل أحد أمثلة تلك العلاقة السادية من جانب الرجال و ماسوشية المرأة هو مساحيق الزينة لتطلى فطرة المرأة بألوان مصتنعة تنكر ما تحتها .. رغبة المرأة فى إرضاء أنانية الرجل و إشباع إحساسها بالإنجاز لا تقاوم؛ فهى تضحى بثقتها بنفسها بإخفاء الحقيقة وراء مساحيق ملونة تثير شهية الرجل و إقباله .. و تلك الزوجة التى تخلت عن ثقتها تسعى لتحتمى فى رجل لن يكون لها برا للأمان فهى دوما مهددة بأن يتركها بسبب او بدون ..ان الزواج الذى يستمر و نسميه زواج ناجح لم يكن بسبب الحب أنما بحكم التعود و العادة.

أصبحت كمثيلاتى من النساء نجهل الحياة كلما عرفنا معناها و نجهل الرجل كلما أحببناه و نتجاهل أنفسنا حين نرضخ للموروثات و المخاوف الاجتماعية العقيمة .. كم كنت غبية تتهاون فى حق ذاتها من أجل إحساسى بسمو ما أقوم به و لم أنتظر التقدير أبدا ...كل ما قمت به فى حياتى كان فضلا واجبا ، حتى حبى لزوجى كان واجبا ..انا لم أعرف الحب يوما ربما لن أعرفه لانه لم يعد موجود سوى فى الأدب و الأفلام . أرى بعينى أن ثورة الانسان لا تكون نتيجة لصراعات داخلية فى اللاشعور لكن صراعات خارجية فى مجتمع استغلالى .. الحب المريض كان نتيجة طبيعية للوضع الذى تكون تحت وطأته المرأة منذ ان سلبها المجتمع حقها فى عقلها و نفسها و لم يرها إى جسدا لتحقيق المتعة و الانجاب ...لقد أخفى المجتمع دوافع إقتصادية و إستغلالية وراء ستار دوافع أخلاقية و مسميات كانت حكر على المرأة ..العفة ..الشرف ..الفضيلة .

الفضيلة ...كلمة تبعث فى ذاتها معانى عديدة : طهارة البدن و العقل و الروح ... و تشير للقصور فى شخصية الإنسان و جوعه الدائم لإشباع إحساسه بالسمو و الترفع و الارتقاء ... الفضيلة لا تختلف أيا كان زمانها و مكانها ، و لكني بعد أن فكرت في الأمر مليا... نظرت و قرأت بعض ما نعيشه ، بت أقول بخلاف ذلك ...
إذا قلنا إن الستر على المخطئين فضيلة، ففي مجتمعنا الان تأيد للمنكر و تشجيع على الرذيلة، و يجب على من قبض عليه أن يُشهر به " واللي مايشتري يتفرج " . فالفضيلة تختلف في كل زمان و مكان و يمكن القول ان الفضيلة تسير إلى المقصلة.

زرتنى أحدى الصديقات فى بيتى مع ابنتها ... كانت مفاجأة بالنسبة لى ..أفا بعد كل تلك السنون ... تتذكرنى مريم و تمتد أواصل الصداقة مرة أخرى بعد سفرها هى و أبنتها ...

مريم : و الله ليكى وحشة ..أنتى أول حد أفتكرته بعد كل سنين الغربة دى .
آسيل : انا بجد فرحانة أنك رجعتى بالسلامة ...عوليا ما شاء الله عروسة ...أنتى غبتى اوى و حتى مكنتيش بترسلينى ...
مريم : حقك على انا فعلا قصرت فى حقك و حق ناس كتير ...بس كان غصب عنى ..ولادك عاملين إيه و أكرم؟
آسيل : كويسين الحمد لله ...أنتى عاملة إيه أحكيلى عملتى إيه فى الكويت و كنتى عايشة إزاى ؟
مريم : الفترة الاولى كنت حاسة بالغربة و إنى موجودة فى فضاء واسع لوحدى ...كنت حاسة إنى بعيش إيام من نور و أيام بعيش فى ضلمة ...(و هنا تخرج من حقيبتها سيجارة بنية اللون و تضعها بين أصابعها و تحركهما فى عصبية أو بدون وعى أمام وجهى ) ... سورى يا آسيل لو ميضيقكش هدخن بس سيجارة ...
آسيل : لا أبدا ..أتفضلى ..( انتفض جالبة لها مطفأة) .. أنتى بتشربى أدام بنتك كده...
مريم : (تضحك ) هى مش صغيرة ... هى عارفة أنى بدخن يعنى أدخن بس مش قدمها ..طب هتفرق إيه ؟؟
آسيل : مقولتيلش يا عوليا أنتى فى سنة كام دلوقتى ؟ (ألتفت للشابة)
مريم : (تسبق أبنتها فى الرد ).. هتدخل الجامعة هنا فى مصر ..

تنظر إلى الشابة و تبتسم و كأن الرد إنطفاء قبل أن يخرج من حلقها ...أتفهم جيدا نظرتها المكبوتة ..سرعان ما وجدت جورية تدخل من الباب و عرفتها إلى الضيفتين ... وجهت حديثى لإبنتى (شوفى طنط تشرب إيه و فرجى عوليا على أوضتك )..

بعدما خرجت الفتاتان ...أنفردت بمريم .."أتسأل حول ما حدث لها كيف تغيرت ..و لما تغيرت ؟؟" لم أتكبد الكثير من العناء لمعرفة الجواب ..أستتردت هى فى حديثها حول معارفها و علاقاتها ...حتى إنها أخبرتنى عن شخص تعرفه عن طريق موقع للتعارف ... رغما عنى أصدرت شهقة مسموعة ...فكيف هذا ...هذا ليس صحيح ...و إن لم تكونى زوجة فأنتى أم و قدوة ....و قد يكون ثعبانا أثم .

مريم : (تخرج من فمها تلك السيجارة المشتعلة و الدخان المتصاعد يحرق صدرى برائحته) الكلام ده كان زمان الدنيا إتغيرت ... إه المانع لو كانت معرفة محترمة ..صداقة ...
آسيل : (أجذب السيجارة بقوة و أخمد لهيبها فى جسد المطفأة البرئ) ...أنتى أتجننتى ولا إيه ...صداقة إيه و محترمة إيه ...أحنا هنضحك على بعض ...؟؟
مريم : (بنظرة مصدومة من ردة فعلى ) أنتى يا بنتى معزولة هنا فى مصر ...معشتيش اللى عشته ...متعرفيش يعنى أيه تبقى لوحدك ..متعرفيش يعنى إية تبقى محرومة ..
آسيل : مريم أنا و أكرم أنفصلنا بقلنا أكتر من سنتين ...
مريم : (نظرة من البلاهة و الصدمة )..تتأرجح عيناها بين جوانب الغرفة ..مش ممكن ..مش ممكن ..أمال صوره اللى على الحيطة دى أيه ؟؟؟
أسيل : مجرد صور ...صور لشخص كان فى الماضى كل حياتى ..أنا حطاها علشان بنته ..مفيش حاجة إتغيرت غيرى فى البيت ده ..
مريم : أنا أسفة على كلامى يا آسيل ..أنتى عارفة أنا طول عمرى مندفعة ..
آسيل : أنا فرحانة أنك رجعتى مصر و هتستقرى أنتى و بنتك ...
مريم : أنا أكتر ...مشوفتيش يحيى ؟؟
آسيل : الحقيقة لا ..بس سمعت أنه عايش فى اسماعيلية ..
مريم : عوليا نفسها تشوفه ..و بتتهمنى أنى بعدتها عنه ...
آسيل : أنتى بعدتيها عنه ؟
مريم : انا كنت ضعيفة .. كنت بتألم يا آسيل ...كان لازم يحس بالآم زى ..
آسيل : و تفتكرى حس ؟
مريم : ايوة .. كان بيبعت ناس لولدى فى البلد علشان يشوف عوليا ..و محدش كان بيقوله أنى سفرت ...تعرفى توصليله ؟؟؟
آسيل : مش عارفة ..إنما هسأل أكرم .
مريم : أنتم بتكلموا بعض ؟؟؟
آسيل : أيوة..العلاقة بنا عادية ..علشان البنت ..
مريم : صحيح هما راحوا فين ..

دخلنا على الفتياتان الغرفة و جدناهما منسجمتنان ..واحدة تقف أمام المرأة و تضع الزينة و الاخرى تتراقص على أحدى الاغنيات (بتاعة اليومين دول) أنظر لمريم و أضحك ..."عرفتى فين يا ستى "...

صعب الفراق دون أمل فى العودة ...أدرك هذا الإحساس جيدا فى كل مرة ...لقد فقدت أمى التى أنجبتنى و تعلمت بسببها كيف أواجه الحياة و الصعاب ، و متى أكشف عن أنيابى و أظافرى ... تمنيت انه كما حملت اسم ابى أحمل أسم تلك المرأة العظيمة التى عاشت و ماتت دون أن أحمل أسمها .

Thursday,10 June, 2010

مـــذكـــرات مــــتـــــ -4- ــــــــــمــــــــــردة



-7-

اليوم هو ذكرى يوم زواجنا السابع لن أقول لكم أنه إحتفال أو عيد أو ما شبه فأنا لا أفكر بمثل هذا الشكل .أرى كل يوم لنا دون منغسات عيد يتجدد ...
أكرم : (يدخل و يقبل وجنتى مبتسما) و حشتينى يا ست الناس ...(يغمزنى فى زراعى و يضحك)
آسيل : (تنفرج أساريرى و أضحك من طريقته ) أنت دايما وحشنى يا سيد قلبى ... هـحضر الغدا فى خمس دقايق عقبال ماتصحى سهيل و جوجو ..
أكرم : طيب بس عامله لينا ايه النهاردة ..( يمد يده الى الاطباق و يأخذ قطمة ملئ فمه فى ذات اللحظة اضرب كفه برفق ) ..عجبك كده اهو كان هيقع من ايدى ...
ساعتها كان هناك قطرة تتسرب على جانب فاه ..التقطها بإصبعى بطريقة فطرية ثم وضعتها بفمى ...

مثل جميع الازواج كانت حياتنا – لن أدعى بانه لم يكن هناك أى مشكلات – أحيانا نكون فى قمة التفاهم و القرب و أحيانا نكون شعلتا نار تتصارعا حتى تعرف أى منهما ستلتهم الاخرى ...و الحق اننا حاولنا قدر جهدنا الا نتشاجر امام الاولاد أو يتدخل أحد فى خلافتنا . لم نعد صغار هكذا دوما يذكرنى .أنا أعلم جيدا أنى لست صغيرة و لكن لما لا أدعى طالما أنا معه ؛ أفضل لحظة بعمرى حين نجلس سويا نلاعب الاولاد خاصة حين انظر اليه و هو يأرجح سهيل فى الهواء و صغيرى خائف . دوما ما يقول له " جمد قلبك يا بن الـ...." ، أضحك ساعتها ضحكة مكتومة حتى لا يرانى .و حين ذهبنا الى الاسكندرية ظل ينزل به الى الماء و لم تأخذه به شفقة رغم بكائه و صرخاته ، و يعلل ذلك " سبيه علشان يطلع راجل " .فى خاطرى اردد " أهكذا سيكون رجل .. أهكذا الرجل يكون " .

بالطبع إعتدت المكوث فى المنزل رغم تبادل الزيارات العائلية بشكل إسبوعى سواء لمنزل والدى أو والدة أكرم ...لكن أين أنا من هذا ؟؟؟
من حق أكرم أن يستمتع بيوم فى الاسبوع يحدده هو كى يستريح من إلتزامات المنزل و ضغوط العمل والاولاد ...إن مفعول هذا اليوم سحرى بالطبع لكنه مرهق بالنسبة لى لانى لا أحظى بالمثيل . لم يجد أكرم لعملى ضرورة رغم إتمام الاولاد عامهم الرابع ، و إن حاولت التفكير يهبط من عزيمتى لإحتياج الاولاد لمن يرعاهم و يرعى صحتهم و مأكلهم و مشربهم . لعل اكثر كلماته تكرارا " هو البيت ناقصه حاجة ..أنا مخلى لكى فى نفسك حاجة او لولادك ...قوليلى على حاجة محتاجنها و انا مجبتهاش .." و كلمة السر هنا " الحاجة و الاحتياج- كما يحددهم هو " و الحق إنه لا يبخل علينا أو على البيت بأى شئ عدا أن هناك طلبات تراها المرأة هامة من باب التجديد و كسر الروتين و رتابة الحياة تستحى أن تطالب بها ما لم يكن فى مقدار زوجها أن يلبيها أو أن يكون هناك أولويات أخرى .و كما هو الحال فإن الاولويات لا تنتهى ...

فى أحد الإجازات المعتادة فى الاسكندرية شاطئ " استنلى" جلست لجوارنا زوجة عقيد بالشرطة و اولادها .انها سيدة مستفزة متصابية إن جاز التعبير - تكبرتى بـ 15عام على الاقل و لكنها تتصرف و كأنها ابنة العشرين . دخلت إلى الماء مع بناتها و كلما داعبتها بناتها تصرخ صرخات – لا يجوز وصفها غير أن عقربا قد لدغها – بالنسبة لى كانت مثيرة للأعصاب و بالنسبة للرجال من حولى تعددت التفسيرات .فمنهم من استغفر العظيم و منهم من تابعها بأم عينه و منهم من عاب عليها التصرف، لكنها لم تعباء بهؤلاء لان سعادة العقيد نزل الى الماء هو الاخر و هو يضحك من صرخاتها .و حسرتاه أما كنت تعلمت الصراخ .

تتأثر كل الزيجات بما يجرى من حولها فى المحيط العائلى أو بين الاصدقاء و حتى المعارف .لم أكن لأتخيل أن يحيى قد يدمر أسرته فى لحظة غضب طائش؛ لن أنصب نفسى محكمة ليحيى أو مريم لكنى اتسأل ما الذى أدى لهذا الوضع رغم أنه حد علمى بينهما تفاهم و حب قوى قبل الزواج . بالطبع صداقتى لمريم تلتمس لى العذر لمدافعتى عنها و ليس هذا فقط بل حبى لعوليا ابنتها ...السبب فى الانفصال هو انشغالها بالعمل و إهمال وجبات الزوج .بيد انها تعلم أنها حجج واهية فقط ليتملص من خطأه الاكبر ،فقد علمت مصادفة بأن أحد بنات الجيران الصغيرات تلاحقه و هو لم يصدها مطلقا بل تمادى فى علاقته بها .وراء كل خراب فى الاسرة ضعف رجل و كيد إمرأة . أصابنى الاكتئاب فترة لما حدث لمريم و يحيى فهو صديق لأكرم . تشدنى الافكار السوداء أن يقوم أكرم بما يهين كرامتى و أنوثتى .

للمكوث فى المنزل مزايا عديدة و عيوب مديدة .بعد عام فقط من إنجاب أولادى أحسست بأنى مهمشة الاراء و أن أرائى غدت سطحية بعض الشئ تقلصت إهتماماتى رغم محاولاتى المتفانية للحاق بالركب و مواكبة التغيرات . يحضرنى قول قرأته بأنه " لولا وجود آدم فى حياتها لظلت حواء من سكان الكهوف " . لم أكن ممن ينطبق عليهم هذا القول فكنت أهتم بذاتى لذاتى فلا أريد رأيتها فى مثل هذا الموقف . كنت أدلل نفسى و لو بالنذر اليسير حتى أكون دوما واثقة بنفسى و عقلى و أنوثتى . بالطبع لم أنسى أن أكرم يرانى دوما جميلة لكنه ابدا ما يعلق على جمالى .بل إنه يعلم كل العلم أنى جميلة كما أنا سواء أهتممت بما تهتم به الاخريات أو أكتفيت بأن أكون كما أنا، أو هكذا ظننت ... حتى تشاجرنا و كان السبب أنه لم يعد يرى فى ما يتطلع إليه فقد ألف بى كل شئ ...كل شئ .

لن أصف إحساسى مطلقا غير أنى تألمت الآلم الاكبر. تزعزعت فروع الثقة الوطيدة و سقطت أعشاش الطيور .لم أتمادى فى النقاش رغم أنى لم أسامحه على إهانتى بشكل مذل بأنى أصبحت " صورة من أم العيال الريفية " هكذا تعتنى و كنت صامتة هادئة .كنت أفكر بما يفكر و أتسأل هل بدأت فترة الزوبعة التى ستعصف بحياتى و حياة أولادى ..لن أترك له الفرصة حتى و لو كنت " أم العيال الريفية " ...مرت العاصفة و هدأت الاجواء ثانية حتى وجدت نفسى متضايقة من نفسى للغاية فلم أعد أشعر أنى أحد أو أنى إنسان ،بل آلة تدر المكاسب على من حولها ..آلة لا تتوقف عن العمل ولا يحق لها أن تتعطل . استفقـت من غـيبوبتى و كنت أردد :
آسيل ، هو لا يغار عليك ..لما ؟؟؟ هل أصبحت كتفاحة يعرف مذاق كل جزء بها ؟؟؟ هل أحببتيه حد إمتلكه ليك ؟؟؟
يظن أنه تملكنى ؟؟ لا يظن أنى فاتنة ؟؟؟
أخذت قرار بأن أغير جميع أطباعى ...لن أستيقظ باكرا ... لن أطهو ما تعود عليه ... سأحظى بيوم كل اسبوعين و اتركه مع الاولاد .جاءت اللحظة التى انتظرها فقد دعـتنا أحدى القريبات لعرس ابنتها و لم أرى بحياتى بزخ أكثر . تعمدت شراء ثوب جديد و لم يعترض أكرم فهو أيضا يهتم بمظهره الاجتماعى أمام أقاربه خاصة من يظن انهم مهمون رغم انى لا أحفل بما يكونوا أو بما تمثل مراكزهم .كنت حقا إمرأة و أنثى و فاتنة .تغيرت تلك الفتاه التى تخجل حين تضع أحمر الشفاة أو ينظر أحدا بعينها ، بل لم تتغير فقط هى ثائرة .هكذا اقنعت نفسى لأتم ما بدأته ؛ نار لو أتمادى بها ستحرقنى . بعد دخولى و أكرم للحفل و تهنأتنا للعروسين و قفنا سويا حولهما ربما كنا نتذكر أيامنا .بعدها رقصت مع أحد ابناء أعمامه رجل فى مثل عمر أكرم هو محترم للغاية و لكنه ما يزال رجل ؛عن بعد أراقب تعبيرات أكرم و أسمع صوت ضحكاته العالية - المفروسة كما أعلمها – هو لم يقبل ليكون كالعقيد ...كان رجل ...كان يغار ... كانت ليلة سوداء فى ظاهرها ...بل كانت ليلة عرس بالنسبة لى .

للمرة الاولى ينام كل منا منفصل عن توائمه ؛ لم أستطع النوم بالطبع شأنى شأنه ،و اعتذرت فى الصباح لانى مدركة بأنى على خطاء اعتذرت لأصون رجولته .اعتذرت لانى أحبه . بعد عناء قبل الاعتذار و لم يدرى ما دافع إثارتى غيرته لليوم .بعد شهرين توفى والدى و يا لها من فُـرقة .أحسست بالضياع هو والدى و هو الدنيا .أتذكر حنوه على و كيف كان يساندنى بحكمته ،لم أكن ضعيفة كما كنت بعد وفاته تغير كل شئ .تغيرت امى و حياتى و حتى علاقتى بزوجى و أخى .

Saturday, 6th march 2010

 -8-

أكثر من 14 عام مر على زواجنا ، احتفالنا وسط افراد اسرتنا الكبيرة بعيد ميلاد طفلينا سهيل و جورية فى بيت والد أكرم .السعادة هى ان تجمع الذين تحبهم جميعا فى وقت واحد لتقاسمهم فرحتك .هكذا كان احساسى يومها،فقد أتم اولادى العاشرة من العمر ، و مثل اى أم تحب اولادها و تدللهم أحضرت ما تمنوه من الهدايا .و أين اكرم اليوم ، فى إجتماع هام لا يمكن تأجيله . إجتماع حتى العاشرة مساءا ...إجتماع و عشاء عمل . لكل فرد أولوياته و كانت أولوياتى كإمرأة رعاية أولادى و بيتى و زوج أصبح على هامش الحياة الزوجية ...مؤخرا .

بعد عودة أكرم تحدث إلى عن تعبه و إنشغاله لم يترك لى فرصة حتى أشكو له مما يورقنى من كثرة غيابه و سأمى من حججه و أعذاره .قال أنه سيسافر عدة أيام أخرى للغردقة لان الشركة مقدمة على "بزنس" هام يتطلب وجوده هناك ، لم أمانع مطلقا ليس سلبية او إنهزام للواقع لكن لانى أردت فرصة لقضاء و قت مع أمى ؛ طمأنته علينا و اننا سنؤنس وحدة أمى بعد أن رفضت المكوث عند محمود و عزة رغم ترحيبهما لإقامتها الدائمة معهما لكنها أردت ان تظل مع طيف والدى .مع ذكراه التى لا تنسى .

إصطحبت الاولاد و رحت عند بيتى القديم و فرحت والدتى بهما و بشقاوتهما فقد أضافنا لها ضوضاء محببة لقلبها ..الغريب انها تقول دوما عند زيارتنا لها " كنت عارفة انكم هتيجوا علشان كده عملتلكم الحاجة الحلوة اللى بتحبوها " . ولا أدرى حقا هل كانت تعرف أننا سنأتى أم هذا محض المصادفة .

فى الليل أرتميت على صدر أمى أبكى ...
آسيل : خدينى فى حضنك يا ماما
أمى : مالك يا بنتى ..تعبانة ولا إيه ؟
آسيل : تعبانة جدا ...مخنوقة و حسة أن روحى بتتسحب منى .
أمى : استعيذى من الشيطان ..هو اللى بيصور للبنى آدم كده .قومى أتوضى و صلى ركعتين و ربنا يفرج همك ، قومى ...
آسيل: حسة أن عمرى ضاع يا ماما .. حسة إنى كبرت و ملقتش نتيجة لتعبى طول السنين اللى فاتت .
أمى : لا يا بنتى متقوليش كده ربنا أداكى أولادك و جوزك ربنا يخالهملك .
آسيل : انتى شايفة بتعب مع الولاد قد إيه طالبتهم و مذاكرتهم و كل حاجة أنا اللى بعملها دلوقتى .. أكرم دايما فى شغله .. معندوش الوقت الكافى لينا .. و كل لما اتكلم و اسأله عن اللى غيره يقول "مفيش.. مشغول .. الشغل .. عاوز أأمن مستقبل الاولاد ...و كأنى خارج الحسبة.."
أمى : أنتى يا بنتى سيبتى الشغل علشان أولادك و ربنا هيكرمك فيهم ..و بعدين مأنتى بتشغلى وقتك أهو ما شاء الله أصحابك بكلموكى دايما و بتشغلى وقتك بتحفيظ قرآن فى المسجد ..كل ده مبتحسبهوش .. أنتى مش بتحسبيه لانك جهلة ..ربنا لا يكلف نفس إلا وسعها ..
آسيل : يا أمى كل ده لا يغنينى عن إنى محتاجة أحس بتقدير ...تقدير من اللى حوالى اللى بتعب علشانهم ...
أمى : يـــوه يا آسيل ..أنتى يا ما غلبتينى بس انا طول عمرى راضية عنك يا بنتى . و إن شاء الله ربنا هيصلح الحال ...قومى أنتى بس كده صلى ركعتين و تعالى اقعدى معاى فى البلكونة .

مر الاسبوع سريعا و عاد أكرم معنوياته مرتفعة و لا أنكر الايام التالية كانت مريحة جدا صافية ...فلم أشاء تعكير صفوها بأى شئ . و كما عودتنى الحياة دائما تهزمنى فى ذروة فرحى ...تلقيت إتصالا من معلمة سهيل تخبرنى انه مريض ولابد من حضورى؛لم أكن ممن تنتابهم الصدمة بسواء التصرف ،وكنت أرتب أفكارى سريعا .أسرعت إلى سيارتى و أخذت مبلغ من المال فى حقيبتى إلى جانب الفيزا كارد و هاتفى النقال و أخذت أتصل على أكرم لمدة نصف ساعة هى المدة التى استغرقتها للوصول الى المدرسة و لا مجيب .. الهاتف مغلق ...أو غير متاح .

أن ترى أبنك متعب ولا تدرى ماذا أصابه تفتك بك الظنون و كلما سمعته يردد "تعبان يا ماما ".. سكين غليظ يشق صدرى .. قرة عينى و فرحتى يشكو علة لا أعلمها . نقلته الى السيارة بمساعدة أحد المدرسين و حارس المدرسة ،عند و صولى الى المشفى إتضح أنها الزيدة الدودية و قد أنفجرت داخل المعدة ..لم أعد أحتمل حاجة أبنى لنقل فورى للدم و والده غير متاح ،لو أنهم يأخذون دمى كله فداه ، لم يكن أمامى سوى أن أجلب أخته جورية .استغرق هذا وقت من حياته بعد وصولنا الى المشفى لم يعد هذا الجسد الرقيق قادر على المعاناة أكثر .

أنا مؤمنة ..مؤمنة ..و هذا قدر .. قدرى .. بل قدره سكن الجنة .لم أستطع أن أكون جبل ..فالجبال أيضا تنهار ... أنهار كل شئ فى عينى لم أعد راغبة فى أى شئ . لا أريد رؤية أى قريب يوسينى أو غريب يعزينى ...أحتسبه عند الله ...
جورية ...أناديها ...ترتمى فى حضنى و تبكى .

آسيل : لا ماما ...متبكيش ..سهيل يزعل ..هو عند ربنا و فى الجنة و شايفنا و بيدعلنا .
جورية : ماما هو ليه مشى و سبنا .. أنا زعلنة جدا (و الدموع نهر فى عينها لا يتوقف) .
أكرم : جورية ..هتروحى عند عمتو ولا عند تاتا ...علشان ماما تعبانة شوية .
جورية : (تتعلق بى أبنتى ) أنا عاوزة أفضل مع ماما ...
أكرم : أنتى هتيجى كمان يومين بس عقبال لما ماما تخف . يمسك زراعها و يجذبها ..أسمعى الكلام .
آسيل : اسمعى كلام بابا (اقبلها ..قبلة مبللة بالدموع) أنا هخف بسرعة و هاجى أخدك ...
أكرم : روحى مع عمتو ...

ينصرف الناس و تبقى الغرفة خالية عدا من ظلا لجسدين او بالاحرى شبحين ..يتقرب منى و يضمنى بذراعة أبتعد ...لا أريد موساة فقد فقدت ما هو غالى لا يمكن تعويضه بأى شئ ...

آسيل : كنت فين يا أكرم ؟
أكرم : أنا مودجود جنبك دلوقتى ...
آسيل : كنت فين ساعتها ..(تفر دموعى )...كنت فين ؟
أكرم : أهدى بس متفكريش دلوقتى فى حاجة ..هى أزمة و هتعدى ...أحنا مؤمنين و متمسكين ...
آسيل : رنيت عليك كتير .. كان ممكن تلحقه ..بدالى ..كان ممكن يعيش ...
أكرم : لا حول ولا قوة إلا بالله .. حبيبتى .. ربنا يصبرنا فى مصيبتنا و يخلفنا خير منها ..
آسيل : (أدفعة بقسوة) أنا عوزة أبنى .. أبنى ... أنا اللى سميته سهيل .. زى نجم ..علشان ينور حياتى ..
أكرم : آسيل أصبرى .. قولى الحمد لله .. أنا زيك صورته مش بتفرقنى طول الوقت ...
آسيل : لو كنت رديت على ..
أكرم : متزوديش همى .. أرجوكى ..كفاية
آسيل : الازمة دى مش هتعدى ...أرجوك سيبنى لوحدى ..
أكرم : لا هتعدى .. أحنا محتاجين نكون أقويا و نصبر على قضاء الله .
آسيل : أرجو ك سيبنى لوحدى .و أنا محتاجة أكون لوحدى الفترة اللى جاية ...
أكرم : أنا هنفذلك رغبتك ..بس أنا جنبك لو أحتاجتينى فى أى و قت ..

ساعتها لم أجد ردا ملائم ..سوء نظرات تعنى الكثير . إنصرف و خرج من الغرفة تركا تحفته المشوه بعد أن شكل كل ما فيها أنصرف بعد أن ذاب فيها الجمال و تراكم القبح على جزيئاتها .

قررت إستعادة حياتى مادام هذا قدرى . قدرى ان أحمد الله على تلك الانفاس الداخلة و الخارجة .قدرى أن أكون تلك التى أردتها دوما أو التى كنت أخشى أن تتحرر فتضيع أحلامى العذراء . بعد أن أسترددت عافيتى و تمكنت من مواصلة حياتى البيلوجية ؛ لم أتمكن مطلقا من تقبل تقرب أكرم ، لا أدرى هل تقبل هذا الواقع أم أنه يتظاهر أم أنه الندم و احساسه بالذنب .أردت أحتضان جورية بكل حب و رعاية ، لم أتوانى عن تربيتها تربية حسنة  و لم أشاء لها أن تقبل فكرة ان أمها لا تسامح اباها و لم تغفر له.عدت إلى عملى ؛ دبرت عملا خاص بى ، استمتع به فى كل ثانية بوجودى مع الاطفال .

ثلاث سنوات و لم نقترب من بعضنا مجرد أزواج ... صورة تذكرية لحياة زوجية يراها الجميع ، و لكن ينقصها الكثير . فكرت فى إنجاب طفل ، لم تفوت الفرصة بعد ، لم أحدثه ..لكبريائى .. كما إنه لم يعد يعباء سوى بالمظهر الاجتماعى فأعطيته إياه ...

قدرى و الخيانة ... أكتشفت بعد ذلك أن وهم الشعور بالذنب لم يكن إلا قناع محكم لانه متزوج من أخرى سرا .. زميلة له مطلقة منذ أكثر من عامين ، لعلها سبب إنشغاله فى العمل ، لم أنهار.. لم أعد أهتم .. فقد مات بالنسبة لى يوم أن مات ولدى . لكنى طلبته بالطلاق بكل ما أوتيت من قوة و شجاعة . أعلم فقد أنتقدنى الجميع حتى أخى محمود .أن أكون مطلقة فى سن الاربعين أفضل من أن أقضى حياتى أتقبل خيانته لى كل يوم مرعاة للوجاهة الاجتماعية .. و ليست أنانية .. و لا يطالبنى أحد بالتضحية ؛ فما عدت أستطيع التضحية من أجل سراب . أفضل أعوامى هو عامى الاول بعد الطلاق . فقد حدث ما يسر أى إمرأة تمر بمثل تلك التجربة .إستعدت نفسى .

Friday, 16 April, 2010

مــذكــرات مــتـــــــــ -3- ــــــــمردة


-5-  

وحدى انتظر عودة اكرم من العمل ، لا احب تلك الساعات التى اقضيها وحدى فى الانتظار ...اليوم سأعد له مفجأة سنخرج فى المساء و لن تكون مجرد زيارة منزلية لأحد الاقارب او الاصدقاء بل سنخرج بمفهومنا القديم حين كنا نخرج سويا و تلتف زراعيه حولى تـفصح عن امتلاكه لى ...او كتلك اللحظة التى اشعر فيها بالزهو حين تـتـعانق كفينا و كأنها تقول" سأكون معك دوما ".افتقد تلك اللحظات الان بعد ان سار كل منا ملك الاخر غير ان مشاغل الحياة انتزعت تلك الاحاسيس و اللحظات فأصبح كل ما هو مرغوب مجرد حلم و ما هو مفروض مجرد واجب ...

ذات مرة عند المساء قامت شقيقة اكرم بدعوتنا الى منزل الاسرة حتى نجتمع جميعا لمشاهدة مبارة حاسمة فى هذا اليوم ...لبينا الدعوة بحب و قضينا وقت عائليا ممتع (الى حد ما ) و اجتمعنا حول المائدة للعشاء . مشهد ارى نفسى فيه منفصلة عن الجميع اشاهد الافواه و هى تتحدث و وجوه مبتسمة واخرى ضاحكة . ارى هالة ,ابنة خالة اكرم, تتحدث معه لا اعرف عن اى شئ بالضبط و لكنه يضحك ربما يجاملها لكنى اعرفه حين يضحك من قلبه و تحمر وجتناه و تدمع عيناه .ساعتها رايت كم هو جميل و لم اجد وسيلة اخرى كى استرعى انتباه سوى ان اخلع حذائى عن قدمى و اجعلها تشق طريقها الى قدمه عساه ينظر الى ...و رغم ذلك ظل يضحك و لم ينظر الى بل استمر بحديثه ثم رمقنى بعدها بنظرة اسعدت غرورى .و بعد عودتنا الى بيتنا وجدته يضحك منى و يستشيطنى غيظا ..امضينا ليلة حالمة يملائها الضحك .

انظر من شرفة غرفتى منظر للغروب لا يقاوم ...احتسى من كوب الشاى بيدى ...انه بارد كالثلج و ما يزال السكر فى قعره لم يذوب . فى ليلة شتوية ارتدى جورابا صوفى و "بيجاما " زهرية انتظر عودة اكرم من الخارج ...لقد ألفت الانتظار لكن اليوم مميز لا اطيق الانتظار ... يقطع رنين الهاتف احبال الفكر المتفائل بعودة اكرم و ليلة ذات طابع جامح .والدتى تحدثنى لكى تطمئن على سعادتى الزوجية و اخبار زوجى العزيز و هل هناك حدث سعيد منتظر منذ فترة ...اردد انه "خير ان شاء الله" و "الحمد لله" و" ربنا يسهل " تلك الردود المعتادة فى مثل هذا الحديث ...اى والدة تهتم بشأن ابنتها تحب ان ترى لها اولادا خاصة والدتى التى حلمت منذ صغرى بأولادى و أولاد اخى ...و عزة قد ابهجت العائلة بالصغار بنينا و بنات . تكرر الحديث بينى و اكرم عن هذا الموضوع بالفعل و كان رده دوما مشجع لكن فعله أغرب ....

اتذكر ليلة زرنا فيها مريم بعد ان انجبت "عوليا " ، حملت الصغيرة بين يديا و ضممتها الى صدرى آه من ذاك الاحساس ...لكم ودت ساعتها ان يصبح لى طفلة احتضنها بحنين و شوق ...فى طريقنا للعودة كان كلامى صريح مع اكرم و اجاب بانه يتمنى وجود الاولاد مثلى و اكثر و انهم رباط بين الوالدين يوثق علاقتهما...فى مساء تلك الليلة كان اللقاء كساحة لعب" الاستغماية" ..احدهما يبحث عن الاخر فلا يجده ..احدهما فقد الامل فى العثور عليه ...احدهما يتعلل بالارهاق و كثرة الانشغال ...إحساس من الانكسار الداخلى ..تمنيت ان ينشق الفراش فيبتعد عن جسدى ...انكمشت كل جزئياتى و حتى الدموع أبت ان تتساقط تلك الليلة ...نهارها استيقظت كأى زوجة قبيحة انظف البيت و اضع لمسات جمالية من حولى و فى الاركان و اعطر" الحمام ..." اعطر ثيابه و اتزين و ارتدى افضل ما عندى ..كم انا غبية هذا ليس سبب منطقيا يتعلل به الازواج حين يشرعوا فى الابتعاد عن كيان الاسرة..لكن بكل بلاهة كنت زوجة احدهما تريد استرجاع الاستقرار الى بيتها ...دبت الوساوس فى رأسى ان يكون أكرم على علاقة بأحدهن ...و هل يعقل ان يفعل و لم يتعدى زواجنا الثلاث سنوات ...؟

الفتور ..الفتور ...اصبحت غير مبالية بمشاعره ...لا اريد سوى الانجاب ...أعلم أنى على خطاء و لكن استنفذت كل حيلى معه و افكارى ...فكرت كثيرا ان افتعل شجارا و اطلب منه قضاء وقت منفردة فى بيت امى و لكنى تراجعت عندما اصيب بـ " نزلة برد" شديدة ، اضطر للبقاء فى البيت اسبوع كامل ...أُمرض وأ داوى ...لن ادعى انى ملاك من السماء يعطى بلا مقابل ، احيانا كنت اشعر بالظلم ليس منه فقط و لكن من الحياة او الموروثات التى تقيدنا ، فأنا لم أعد زوجة بل وعاء لإستيعاب ما يريد التخلص منه و قتما شاء هو ...أو عاملة نظافة بأجر زهيد تقوم بواجبتها دون كلل و بكل حب لانه كيان يخصها فى المقام الاول تبعا لما تعودنا عليه .

اطمئن أكرم على صحته بعد ان زالت "نزلة البرد " و بداء يباشر حياته الروتينية ..اليوم سأواجه انى لم أعد أطيق حياة الغرباء، اليوم سأعرف سبب عزوفه عن مشاركتى همومه و مشاغله الكثيرة التى كونت حائل بيننا ...اليوم سأطلعه أنى على استعداد لاى شئ حتى احظى بطفل منه ...اليوم لست بخير مطلقا ... افترضت كل شئ ؛ فتكت بنومى الظنون و الشكوك ؛ تساورنى الشكوك بوجود أخرى بحياة أكرم ..كيف أكشف ذلك ؛ و لو أنه كذلك ماذا سأفعل ؟ هل أواجه و أخيره أما أنا أو تلك الاخرى؟ كيف دخلت الى حياته ؟ من يمكن أن تكون ؟

عاد أكرم فى ميعاده المعتاد ..كل شئ كان العادى و كالمعتاد ، ربما هو لم يكون فى مزاج طيب لكنه عادى .هو جالس امامى على السرير ممددا ساقيه ...اتكور جانبه و اتـقرب اليه يظهر حنين زائف حتى يرضينى ...و كأن جبل إنهار على رأسى ...أكرم زوجى يـبـكى على صدرى . أتألم تـنـهمر الدموع من عينى لا استطيع ان اصرفها .امسح دموعه اقبل رأسه أضمه .لا افكر مطلقا فى البعد عنه ...لا طوعا ولا إجبارا .. أطلعنى على سره ،على كل ما كان يقض مضجعه ؛ على سبب انصرافه عن الملذات كان سرطان القولون.

الايمان ..الايمان سلاح كل مؤمن ....الايمان ان هذا قدر و اننا قادرين على الصمود ...الدعم هذا ما أتحتاج اليه ..و اجد هذا الدعم عند أكرم لذا دعمه فى اى شدة طريق لتخطى اى محنة . لو انى افعل اى شئ حتى استرجع حياتنا كما السابق لفعلت .الغريب هو الحياة ، ففى الوقت الذى كنت اشتاق لوجود طفل لم أحظى به و فى وقت اكثف كل جهدى لأكرم وجدت حلمى يتحقق ...نعم شعرت بفرحة و نعم ظللت افكر ...و أفكر... كلاهما مهم بالنسبة لى ...لعل هذا الجنين هو سبب أدعى لصمود أكرم أكثر و أكثر ...

 Wednesday, 3 February 2010

 -6-  

من الضعف نتعلم كيف نغير من انفسنا ..و معنى الضعف موجود فى حياة بنى البشر لعلهم لا يدركوه احيانا و ربما من ادركه لم يفهمه..و ان كانت مظاهر القوة خادعة ..فالالم يشعرك بالمعنى الحقيقى للضعف الانسانى ..فكم نحن ضعفاء مهما ادعينا من القوة .. الضعف الانسانى هو اول مرحلة من الاعتراف بالآدمية ،و من منا ليس ضعيف ...بالنسبة للرجل فإنه لا يعترف بالضعف بسهولة لان الضعف ليس من سمات الرجولة ...و هذا ليس ترفعا – بل ينشأ من حبه لكونه الرجل .

أكرم ليس زوجا لى فقط بل انيس روحى بما تحمله الكلمة من معانى التعلق و السكن .و هذا ليس ضعفا بل حكمة علمتنى إيها الحياة ؛ قد يكون الزوج مسافرا عابرا فى حياة إمرأة ، لكن أكرم واقع اريد عيشه كل دقيقة . الان ارى احلامى و سعادتى نصف كاملة سأكون أم بعد عدة اشهر و لكنى قلقة على صحة اكرم أكثر. إن كان يخفى آلمه فى صدره فإنى أشعر بذات الآلم لعدم احساسى به. إرتفعت معنوياتى كثيرا حين وجدت أكرم يتقرب الى الله أكثر فأكثر ، فكان ذلك مبعث للطمئنينة لديه ..و خطونا اولى مراحل العلاج و محاصرة المرض ...

أتخذت قرار بأخذ اجازة لرعاية الاسرة للعامين القادمين حتى اتمكن من الاهتمام بأكرم و طفلى .لم يـبدى أكرم اى أستحسان او اعتراض لكنى كنت مدركة انه مستحسن للفكرة .إنه خائف على و على طفلنا فقد يكون وحيدنا .أندهش كثيرا حين اقول انه لن يكون وحيدا و لو كان حملى الوحيد من أكرم .فقد استجاب الله لدعائى بان ارزق توأمان ؛ لكم بلغت سعادتى و سعادة اكرم حين رأينا صورتهما على جهاز الموجات الفوق صوتية " السونار " . ظل ينظر اليهما طويلا ربما يفكر فى اسماء لهما او كيف سيقضى حياته معهما . قاطعت شروده و امسكت يديه و ضعتها على كى يشعر بهما رغم علمى انه مايزال مبكرا حتى اشعر بحركتهما.اشعرانهما يشعران بنا يطوقان لتقبيلنا كما نطوق لضمهما . و تمر الايام مسرعة فى النهار يكون أكرم متماسكا لا يـبدى اى مظاهر للآلم ربما يعزو ذلك انشغاله بممارسة عمله داخل المنزل ..أما الليل فهو رحلتنا مع الالم فتتكالب عليه اعراض المرض ، قد يؤدى الكشف المبكر لشفاء تام لكن الرحلة ما تزال فى أولها .بدانا بجراحة دقيقة لإستأصل الورم و أخذ عينة للتأكد منها . زال الخطر نسبيا بالنسبة لأكرم لكن على مدار اشهرى الاولى من الحمل و ارهاقى لم أشعر بالراحة و هذا شهرى السابع بلغ الالم أقصاه ... بالنسبة لاكرم فإن المتاعب لم تنتهى ،فبعد إجراء الجراحة استكملنا مشوارنا بالعلاج الكميائى و عانى اكثر من أثاره الجانبية .

لن انسى تلك المرحلة بعمرى فمع تكون الجنينين فى أحشائى و احساسى بنبضتهما داخلى أخذ أكرم بيدى فى كل خطوة أخطوها فشعر بإحساسى و ضعفى و لكن صدقا لم اشعر بآلمه الحقيقى .ربما لم اتمكن لضعف قدرتى ؛ كنت اسند رأسى الى فخذه فيدرك انى قلقة من شئ فيغمرنى حنانا ، و حين يتملكه الضعف و الالم أضع كفى على رأسه و أتممتم بآيات أحفظها كى تحفظه و تزيل آلمه . كثيرا ما كنت اقاطعه اثناء عمله حين اشعر بتحرك الجنينين فى أحشائى فأسرع اليه فيظل يحدثهما .

حمدا لله خرج وليدينا الى الحياة معافين ...فغمرتنى السعادة و نسيت جميع همومى و آلامى حين رأيتهما .أما أكرم فقد بكى من فرط فرحته .لن انسى الدعم الذى و جدته من العائلة - أمى و أخى و أسرة زوجى التى هى أسرتى الكبيرة - أما ابنتى فأطلق عليها أكرم "جورية" لان بشرتها كانت تميل الى الحمرة فشبهتها والدته (ماما كريمة ) بالورد الجورى...أما ولدى فأطلقت عليه" سهيل " فكان كالنجم المضئ و دائم البسمة . تذكرت قول الكريم فى حديث قدسى :
"عبدي أنت تريد وأنا أريد ولا يكون إلا ما أريد فإذا رضيت عما أريد كفيتك ما تريد و إن لم ترض بما أريد أتعبتك فيما تريد و لا يكون إلا ما أريد" ..فحمدا لله كثيرا على ما أنعم به على و على العالمين .

بعد التفاف افراد اسرتى الصغيرة حولى عادت الحياة تملئ بيتى ثانية فكان " الخير على اقدام الواردين" تلقينا عدة أخبار مبهجة بعد 9 اشهر من ولادة الطفلين ... بدات بتمكن الاطباء من محاصرة مرض اكرم و استعداده لأخذ فترة من الراحة من العلاجات سواء الكميائية او الاشعاعية . استرد أكرم مكانته فى عمله فقد تقدم بمشروع و تم الموافقة عليه و سيصرف له نسبة من الارباح السنوية لهذا المشروع ، و على الصعيد الاجتماعى فقد تزوجت هالة ابنة خالته ، بذلك فقد اطمئن قلبى تجاهها، ستنشغل عنى قليلا . و شرعت فى التفكير فى مستقبل اسرتى و استقرارهما فى المستقبل ...و رسم خطوات لما سأفعله من أجل زوجى و أبنائى

Monday, 15 February 2010

مـــذكــــرات مــتـــ - 2 - ــــمـــردة



-3-

لقاء ثم لقاء ..أمتد بيننا جسر من التواصل و تبادل الاحلام و بعض الاسرار .جذور الود طرحت أزهارا بأعين أسرتنا فقررنا إعلان الخطبة بشكل رسمى بعد" فتحة" دامت فترة بسيطة ..

كان لى رأى مخالف حين فرض على أكرم إقامة حفل خطوبة ضخم ليضم العائلتين ، تناقشنا سويا فى الامر ...

آسيل : طول عمرى بحلم بحفلة بسيطة و جو رومانسى أنا و أنت بس .
أكرم : بس دى أنانية منا لو قررنا ده من غيرمراعاة رغبة أهلينا .
آسيل : أنا أقدر أقنع بابا بس أنت تكون مقتنع .
أكرم : طبعا الحفلة مش ضرورية لكن مراعاة لرغبة والدتك و والدتى لازم تكون مناسبة لينا ..و أكيد هتكونى عروسة زى القمر.
آسيل : لا يا أكرم ماما مش هتعترض لو عرفت أن دى رغبتنا و اننا اتفقنا ،خاصة إنى قلتلك قبل كده ان دى حياتنا الشخصية ..احنا اللى بناخد القرار .
اكرم : تقصدى إيه ؟ إنتى شايفة إنى بمشى وراء كلام حد ؟
آسيل : حد زى مين ..انا مقصدتش كده ..كل اللى اقصده ان دى مسألة تخصنا أحنا الاتنين بس ..و بعدين أنت اتنرفزت ليه ؟
أكرم : مهو إنتى بتستفزينى ..أول مرة أشوف واحدة مش عاوزة تعمل حفلة خطوبة تتعرف فيها على أهل عريسها اللى هيبقى جوزها ..وخدة بالك انتى من جوزها ..
آسيل : متهزرش يا أكرم ..لو قلتلك إنى هكون متوترة و مش مرتاحة فى الجو ده او إنها تكاليف على الفاضى ..و إنى عاوزة خطوبتنا تكون مش تقليدية ..هتفهمنى ؟!
أكرم : و النبى بلاش الافكار الخيالية دى ..كل الناس عاوزة تشوف خطيبة أكرم ...
آسيل : ناس مين دى ...و مين اللى يهمه الامر ..المفروض إننا اهم الناس فى الموضوع ده مش الناس ..الناس هتفيدنا بإيه؟

إنتهى النقاش عند تمسكى برأى الذى تزحزح حين تخيلت والدتى حزينة بسبب عنادى ،رغم إقتناعى بصحة رأى ... وما لفت إنتباهى فيما دار بيننا هو عدم توصلنا لحل مُرضى ساعتها و إشارة أكرم " للناس" ربما قصد خطيبته السابقة، و أن تكون رغبته نزولا عن رغبة والدته و إخواته ...

بعد أن تم إعلان الخطوبة فجأنى أكرم فى أول يوم منها بإرسال باقة كبيرة من الورود و رسالة تسلمتهما وسط فرحة منى و دهشة الزملاء و الزميلات المهنئين ..رأيت ساعتها الغيرة فى أعين بعض الزميلات ..أحسبها غيرة مشروعة .هكذا نحن النساء نباهى بعضنا الاخر بما نجده من محبوبينا فللهدية طابع خاص تتباهى به النساء لتفتخر بمدى محبة الحبيب لها .. فقيمة الهدية المادية لا تقل عن قيمتها المعنوية و كاد العكس أن يكون صحيحا ... توالت الايام و تجددت اللقاءات بيننا على مدى ثلاثة أشهر..و اجمع الكثير ممن أعرفهم ان الفترة الخطوبة مقسمة فى ذاتها إلى مراحل ...أولها كانت تلك ال3 أشهر التى كانت سمائها تارة صافية و تارة اخرى ملبدة بالغيوم ...

أمقت كثيرا تدخل البعض فى شئونى الخاصة خاصة علاقتى بأكرم ..و اول من سعى لمثل هذا التدخل السافر كان الحاجة كريمة والدته ، هى أم ذكية و محبوبة من الناس مجاملة بطبعها تصل لمبتغاها سريعا ..كنت أظنها فى مثل طيبة والدتى التى تقف إلى جوار أكرم و تؤيده فى كثيرمن المواقف ..أما الحاجة كريمة فلم تكون فى مثل تلك الطيبة أو السهولة ..بدأت أولى محاولاتها بإنتقاد طريقة تقليبى للسكر فى الشاى و تطور الامر للتدخل فى حث أكرم على السفر ..

السفر هو بعد من سبق الاصرار و الترصد ..نعم قد تكون فرصة ..و فرصة العمر ..لكن سيضيع معها أيام من العمر فى الترحال و الغربة ..لم أكن موافقة على فكرة سفره و لكنه سافر لمدة 4 أشهر بدعم كامل من والدته و لم أجد هناك فائدة من المناقشة أو الجدال ، خاصة انى أميل إلى الحوار و التفاهم الذى اصبح لغة مهجورة بين الاشخاص ...فالكل يسعى لاقناع الاخر و قد يرضى بالتغاضى عن بعض أفكاره للوصول لأدنى حد من الخسارة على مائدة المفاوضات ...تحدثنا هاتفيا قبل سفره بساعات قليلة ..

آسيل : برضو هتسا فر يا أكرم و تبعد ؟
أكرم : دى فترة قليلة و مش هطول ، بعدين بالمكافاءة هكمل الناقص فى شقتنا ولا أنتى مش عاوزة نتجوز بقى ؟ !
آسيل : يا أكرم خايفة تاخد على البعد ...أوعى تفتكر انى ممكن اسيبك بعد منتجوز تسافر لوحدك ..ده بعدك ...
أكرم : ( يضحك و يسمع له قهقهة ) و مين قالك إن أنا هسيبك أمال هناكف فى مين غيرك ؟!
آسيل : خالى بالك من نفسك وأرجع بسرعة ..و كلمنى كل يوم ..اوعى تنسانى.
أكرم : أنساكى ...إزاى يعنى هو انا مسافر علشان مين ؟
آسيل : علشانا ,,إن شاء الله ترجع بآلف سلامة ..

يومها شردت و حلقت أفكارى فى اليوم الذى يجمعنا سويا ..أستفقت على نداءات والدتى ..
ماما : آسيل .. آسيل ..أنتى يا تايهة
أنا : أيوة يا ماما سمعاكى
ماما : بصى يا بنتى مش هتلاقى حد يحبك قدى او قد بابا ...انا فرحانة أن ربنا كرمك بأكرم و ربنا يخاليكو لبعض ..عوزاكى تحافظى عليه و على بيتك أن شاء الله .
أنا : (أقاطعها) فى إيه يا ماما أنتى لاحظتى حاجة فى تصرفاتى ؟
ماما : إسمعينى و خالى الكلام يفسر نفسه مع الايام ..فى مواقف العند فيها بيكلف كتير و فى وقت التنازل بيخسر الواحد كتير ...اوقات بنعديها علشان المركب يمشى و اوقات لازم يكون للست شخصية علشان متظلمش نفسها .. مش هقولك الراجل طفل ولا الكلام ده .. الراجل محتاج للى يفهم إحتياجاته من هنا تخدى عنيه ..فهمانى يا آسيل .
أنا : (عن إقتناع و رضا بما قالته) أيوة يا ماما ..

بعد إنقضاء فترة سفر أكرم عاد إلى ..سعدت بعودته جدا – ما تكفينى كلمة جدا للتعبير عن إشتياقى – لم اطيق ان أنتظر الصباح ..هتافته ليلتها و قرأت عليه جزء من قصيدة أعجبتنى ..

آسيل : تدفعنى فتغلق كل الابواب حولى ..و أداوى بك ضيقى و عطشى و أبلل قلبى بترياق هذا الالم ..خذنى لأى باب و دعنى أطرقه فينفتح و افوت إليك وجع الحب و الاشتياق ..أداوى بك السنين العليلة فدعنى اسقطك فى كأس الكلمات ..أحببتك هل تعلم ؟
و انا حين تدق الباب ينفتح قلبى للقائك فى بداية البرأة و أتوارى عنك بخجلى ..لإنك ماتزال تدفع الجدرات فيختنق جسدى بإبتعادك ...ألا أبدوا فى مراياك بكل هذا الضعف ..فحين بكيت بين جروحك و رجوتك أن تبقى لكنك أبيت ألا تسكن البلاد البعيدة و انست الصمت ..لم تعترف ان قلبى ضاق بغفلتك و بعدك ..أألان عدت ..تعود و تطرق قلبى بعنف و انت تعلم أنى قررت الاحتفاظ برفاتك و بعض أمنيات ليس بينها فرارك و الهجر ...

رغم تعبه و إرهاقه إستمع إلى و عيناه يغلبهما النعاس بسطوته ..كان هو كل جمهورى وعدته إنى سأكتب خواطرى و أقرأها عليه و لن يشعر بما بين السطور سواه .

مر على خطبتنا ما يقرب ال6 أشهر و أصبحنا نتقارب فى كل يوم ..أصبحنا نتشاور فى إلتزامتنا المادية و بشرنا بشراء حجاتنا من الاثاث و الاجهزة حتى حدث ما سائنى للغاية .. علم اكرم بطريق الخطاء عن حساب مصرفى خاص بى أودع به مبلغ تأمينى أجعله بعيدا عن أى مصروفات حتى انى فتحت هذا الحساب قبل معرفتى به بأعوام ..أخذ يؤنبنى و يعنتنى فكيف لى أن أخفى عنه هذا الشأن و أنه يخشى تكرار مثل هذا الموقف بعد زواجنا ..حتى انه ذكرنى أنه انفصل عن خطيبته السابقة بسبب ازمة ثقة ..و ليته لم يفعل .. ليته لم يذكرها على لسانه .. أصبح يكرر ذكرها كلما صادفنا جدال او مشكلة بسيطة ..الغيرة تأكل أى إمرأة يتجاهلها رجلها أو لم يقدرها حق قدرها ..الغيرة تحفر خندق للحب و تشعل محرقة لن يخمدها سوى الرماد الاسود و الغبار المتتطاير فـيحجب الرؤية بيننا ...

حدث أن دعتنى احدى شقيقات اكرم إلى بيتها ..و بعد مناقشة طويلة وافق والدايا على أصطحاب اكرم لى شرط ان أعود باكرا ولا اتأخر عن الساعة ال9 مساءا .ذاك اليوم لن انساه ما حييت ...بعد ان ظننت أنه سيرانى الاجمل فجأنى انه يظن أنى أرتدى ثوبا بسيط و ان مظهرى معتدل ...أن تطعن انوثة إمرأة ذاك جرح لا يندمل ..ربما تغفر الإساءة ...تسامح الخيانة ، لكنها لا تعفو عن رجل يطعنها فى انوثتها . حين عدت أعدت النظر فى المرآة إلى ثوبى و وجهى ..إلى بعضى و كلى ..أيقنت أنه لم يرانى هذة الليلة ..لم يخمن مقدار جهدى و انا أزين تلك اللوحة الانسانية لتبرق برقة المساء . حدثت نفسى ساعتها أنه ربما تتكرر مأساتى ..و يتكرر غرور الطاوس الذكرى داخل من يصبح بطل رواياتى ....

Thursday,10 October 2009

-4-

بعد مرور الوقت إعتدت على أكرم أكثر فأكثر ، بدأ الواقع بفرض نفسه علينا ، إننا أكثر من ملائمين بعضنا للأخر .مر العام لم يختلف شئ فينا عدا اتفاقنا و التزامنا بحل نزاعتنا الشخصية بيننا ...إلتزمت بذلك كثيرا و هو الاخر بالطبع و هذا ما جعلنا نختلف و لكن نتفق على ألا يطول اى خلاف بيننا .اليوم اجد نفسى اعد ثوب فرحى ..ارتديه و ارتديه و انظر جيدا ..تنشغل والدتى بمظهرى و بأشيائى و بكل كبيرة و صغيرة ، اما محمود فكان مثل المنتدب السامى يتابع مهمة الإشراف بين الطرفين .كل ما أذكر و لمدة اسبوع كامل لا انفك اكون مترددة هل سأكون سعيدة ؟هل سأتزوج حقا الشخص المناسب ؟ ...
كاد عقلى ينفجر و يدمر كل ما حوله ...كنت حزينة بعض الشئ و لكن أيضا متقلبة ، بمجرد سماعى لصوت أكرم على الهاتف تخبو كل المخاوف من رأسى تنحنى أمام شخصيته و روحه .أعترف انى بداخلى أحبه ، بل أقسم انى دوما كنت اجهز قلبى لإستيعاب حبه ...

حدث و انه فى أحد مكالمتنا معا بحت له ببعض مخاوفى و بطبعه أخذ يضجرنى ثم يعود فيهدأ تلك النار المشتعلة ..
آسيل : أكرم ..عارف قد إيه بحبك ؟
أكرم : و حياتك عارف جدا .. بدليل أننا هنتجوز آهو.
آسيل : مش هترجع و تقول مش هى دى اللى كنت بتمناها ؟
أكرم : و الله على حسب ..بصى انا أخترتك يا آسيل خلاص و كل اللى علينا اننا نتفق و اظن اتفقنا اننا هنواجه مشاكل كتير بس هنوجها سوى .
آسيل : خايفة يا أكرم ...بعد ما نتجوز تتغير العلاقة ما بنا ...نبقى زى الناس اللى عرفنهم و قلنا كتير مش هنبقى كده ..
أكرم : احنا هنـتغير و ده الطبيعى بس ان شاء الله نكون للاحسن ..متفكريش بسوداوية ..
آسيل : أوعدك إنى أكون خير زوجة ليك ..و احافظ عليك طول مانا حية ..أوعدك أحفظ على شرفك و أسمك و بيتك و اولادك و اتقى ربنا فيك ..أوعدك اعمل كل جهدى تكون مرتاح و سعيد ..اوعدنى انت كمان يا أكرم ..
أكرم : (يجذب يدى الى صدره) أوعدك يا مراتى أحافظ عليكى و اتقى الله فيكى ..و احافظ على كرامتك و احساسك ...عاوزة حاجة تانى (يضحك) عاوزة حاجة تانى ؟
آسيل : ايوة احلف تكون صادق معاى ..احلف منبتش ليلة فى زعل بنا ...أحلف تسندنى فى شدتى و وقت ضعفى ..
أكرم : على فكرة كل ده انا حلفت عليه لو حسيتى باللى قلته ...
آسيل : هنشوف و الماية انت عارف ...
أكرم : بمناسبة الماية ..الحنفية اللى فـ الشقة نسيتها مفتوحة و كانت هتغرق الدنيا امبارح .
آسيل : بتهزر ...لا ..على فكرة انا اللى حطيت هدومك فى الدولاب و فى حاجة ليك تحت الهدوم لما تروح شوفها و قولى رايك ايه .
أكرم : يا بنت الذينا ...هى مفجأة ..كده هتخلينى احرق المفجأة بدرى ..ايه رايك هنسافر بعد الفرح بكام يوم ...
آسيل : (اتـنطت من السعادة ) أخيرا وفقت ...هنروح فين ...
أكرم : دى بقى خاليها مفجأة متحرقيش كل حاجة ..

أدمن أكرم مفجأتى بقراراتـه لعلمه حبى للمفاجأت السعيدة ...كان يوم زفافنا اسعد يوم حقا فى حياتى التفت حولنا العائلتين مهنأين فرحين بجتماعنا و سعادتـنا ..لم ألحظ اى شئ سوى انى مرتديدة فستان ملائكى و معى أفضل رجال العالم يبتسم لكل المحيطين يمسك بيدى و يقبلها امام الجميع ...اضحك منه و اخجل .. تلتقط العدسات مظاهر فرحتنا اللمعة فى يوم تعيشه اى امرأة مثلى و تحلم به اخرى ...دون سرد لما كتبته فى باقى صفحات دفترى ...وجدت نفسى زوجة محبة ...و تلك هى الفترة الابهج فى حياتنا و ذكرياتنا.

تـفـنـنت كثيرا فى تعلم كيف اكون زوجة جديدة ...و كان أكرم سعيد للغاية أراهن أنه كان يـباهى زملائه و أصدقائه بسعادتنا
كان يتحدث مرة لأحد معارفه و يبحث عن اى قلم و ورقه يكتب عليها رقم هام بالنسبة له ..لم يكون ساعتها امامى سوى ان يكتب على يدى فنوالته إيها ...بعد ان كتب عليها رقم الهاتف و سجله قبل يدى بلطف و ردد " تسلم الايادى "...بدلال الزوجة طلبت منه مرة ان يشترى لى وشما صغير إما فراشة او وردة صغيرة ..يا له من رجل ...اهواه ..اشترى لى كليهما ...كان يعرف مدى جنونى و يتقبله بل و يطاوعنى عليه ..

وقتما نكون بالشارع او كنا نبتاع اى من حاجتنا كنت امشى صامته لانه يتضايق ما ان تحدثنا فى الشارع او امام المارة ...فى طريقنا لاحد المتاجر لنشترى حجيات و قبل ان ندخل سألنى عما يحتاج المنزل و بعد ان دخلنا الى المتجر تذكرت شئ اخر أحتاجه ...نظر الى بقوة و بحدة حتى لا يتكرر هذا المشهد ثانية ...بالطبع لم استسلم و هو أحب ان يرضينى فجلبه لى ..بعد ان صعدنا للمنزل سبقته و قلت " خلاص انا فهمت متزعلش بقى "
ضحك على طفولتى و انه قد نسى الموقف و لكنى احبت ان اكد له انى لن انسى ما يرضيه او ما يضايقه ..

احسست بغربة بعض الوقت فى بدايه زواجنا فلم اكن اعتدت فراق بيت والداى و غرفتى القديمة ... و هو كذلك رغم انه كرجل لم يكن فى مثل تعلقى بأسرتـه بل كان شغوفا ببداية جديدة لحياته غيرانه كان يتصل و يود والدته و اخواتـه دوما فلا اكاد اذكره مطلقا ...و قد احببت هذا فيه فهو لم يمنعنى يوما عن ود احدا من اسرتى .كانت مشاكلنا فى بداية الزواج تافهة بعض الشئ لا اكد اتذكرها اذا ما رجعت نفسى او رجعت السبب الاساسى للجدال ..
عرفت جيدا من هم اصدقائه المقربين لكنه يوما ما كان ليقرب صديقا الى بيتنا فكانت الزيارات والمقابلات خارجية عدا تلك التى جاءت للتهنئة بالزواج و المجاملة ...عرفت أيهم أمين و أيهم لعين بعض الشئ ...بالطبع كونت بعض الصدقات الجديدة مع زوجات أصدقائه و ارتحت كثيرا الى مريم و هى مدرسة لغة انجليزية هى زوجة لأقرب أصدقائه يحيى ...كانت عون لى فى بعض الاشياء كانت تتحدث عن مشاعرها بعد الزواج و كيف كان الامر ليس بيسير حين تركت بلدتها و أهلها لتسكن فى القاهرة المشاغبة مع زوجها و تبداء حياة تكاد تكون جديدة صعبة . من كلامها تعلمت ان الحياة الزوجية ليست سهلة و لكن ليست بالصعبة بالتأكيد ..أما عن زيارات الاقارب التى كانت فى البادئ قليلة اصبحت كثيرة الان.. بعد زواجنا مباشرة اتفقنا انا وزوجى ان بيتنا سيظل مفتوح بابه دائما امام الاقارب ..لكن لابد و ان نراعى خصوصية حياتنا ..ساعدنى ساعتها عدم تردد الكثيرين علينا و كلما قلت الزيارات قلت المشاكل ...هذا ما تعلمته .

أكرم كريم للغاية لا يرد من قصده مما يجعل البعض يستغل طبعه هذا ...ما يضجرنى انه حين يكون لدينا ضيف من جانب أسرتـه يبالغ فى تصرفاتـه يظل يردد " هاتى كذا و قدمى كذا " لا أجد لسلوكه هذا مبرر ..فأنا بالطبع لن أبخل و كذلك أراعى دوما مظهره . أكرم لديه قريبة تصيبنى بالجنون حين تزورنا ..إنها ابنه خالته هالة ..أمقتها فعلا ...انها مصطنعة بعض الشئ و لا اجد معها حوار مناسب سوى الحديث عن مركات ادوات الزينة و احدث صرعات الموضة ..انها هى أكثر الصرعات ضجرا ..أنا لا اغار منها ..لا اعلم بل اغار عليه هو ..طريقة نطقها للحروف مستفزة كنجمة إغراء خرجت لتوها فى لقاء تلفزيونى. وعلاقاتى بوالدة أكرم تحسنت كثيرا بعد الزواج حيث أنى وضعت نيه فى ألا أجعلها سبب فى خلاف او مشكلة فى حياتى ...و أحترم جدا حين توجه نصيحة رغم انى لا اعمل بها . ذات ليلة جلست افكر فى الانجاب و هل نحن مستعدان لإستقبال ضيف مستديم ...و كتمته تفكيرى هذا حتى أرى منه إستعدادا ..

Sunday ,17 January 2010




الاثنين، 19 أبريل 2010

مذكرات متمردة



-1-

اليوم مميز بالنسبة لى عزة تحمل الثوب و تضعه أمامى ...والداتى تحمل "صينية " عليها أشهى الحلويات و المحببة إلى ...تقترب منى و تتفحص وجهى ...

أمى : أيه ده أنت ناوية تقابلى العريس كده؟
آسيل : مالى يا ماما ..فى حاجة مش مظبوطة فى شكلى ...
أمى : ده مش شكل عروسة ..البنت لازم تتزوق كده و تبقى على " سنجة عشرة"
آسيل : يا سلام ..والله هو ده شكلى ...انا هحس انى مخنوقة لو عملت حاجة مش على طبيعتى
أمى : يا بنتى متحرجنيش ...الناس جيه تشوفك أول مرة ..الانطباعات ...يقولوا ايه ..بنت هناء قبلتنا و هى مبهدله
آسيل : لا يا ماما ..أنا مش عاوزة أكون زى العروسة الحلاوة .."فوشة هنا و فوشة هنا "...
عزة : (تتدخل بكل دبلوماسية ) سيبيها يا ماما أنا هقنعها ...

عزة هى زوجة أخى الذى يصغرنى ب 3 أعوام ..زوجة محبوبة من أخى و محببة لوالدتى و صديقة لى . تردد عزة مزاعم والدتى لابد و أن أستقبل " عريس الغفلة " و الابتسامة لا تغادر وجهى ، لا داعى لفتح مواضيع لى رأى فيها مختلف ..أو أى أفكار تشذ عن " القطيع"؛ تحاملت على نفسى و أحتملت ما أسميه " النصايح العشرة " ... أرتديت الثوب و أعدت نفسى لإستقبال زوج المستقبل ببشاشة ..و يدور برأسى عدد من التسأولات ...سرحت و نظرت إلى صورتى فى المرآة كمن تجهز نفسها لتجربة أداء أمام جمهور غفير...
" أسأله فى إيه ..هتكلم عن ايه ...لو محصلش القبول اللى عوزينه أخلع ازاى ...هو أنا متوترة كده ليه ...للمرة الألف بسأل نفس الأسئلة و كأنى متعلمتش ...أنا زهقت من تكرار نفس الأسئلة و نفس النتيجة و نفس السيناريو ..."

أخذت شهيق ممتد إلى أخر ما أستوعبته رائتيا من الهواء ، و رددت الثقة ...الثقة.حان الموعدنا مع المجهول ؛ مع جرس الباب سمعت قرع داخل قلبى كمن ينذر بقدوم موكب إما نباء عظيم أو إعلان عن غزو لابد من الدفاع بإستماتة ...بعد إستضافته و الترحيب به فى غرفة " الصالون " دفعتنى والدتى لتقديم الحلوى و المشروبات للغريب و الجلوس معه حتى "أملى عينى من روية طالعته البهية ".

أما هو فكان شاب خمرى البشرة مستقيم القوام تتميز عيناه بالحدة و العند جبهته عريضة تحمل كبرياء أبناء الصعيد . تبداء والدتى الحوار و ترحب به و تسأل عن حال والدته و أنظر لها كمن أحتبس الحديث على لسانه فنسى الكلام ، ثم أخرجنى من صمتى فجأة حين بادرنى بالسؤال

أكرم : حضرتك بتشتغلى ؟
آسيل : بشتغل مدرسة لغة عربية ...
أكرم : ماشاء الله ...بس التدريس مهنة متعبة قد مهو ممتع ..مش كده ؟
آسيل : يجوز متعب بس أفضل من الفراغ و الدماغ الفاضية ...أقصد أنى بلاقى نفسى فى الشغل علشان بشغل وقتى فى حاجة مفيدة ...
أكرم : لكن مفكرتيش لو أتجوزتى هتقعدى ولا هتشتغلى ؟
آسيل : لا مفكرتش ...أنت معترض على شغل الست ؟ ( تبرق عينى بلمعة و كأنى لقيت حجة )
أكرم : أفضل زوجتى تركز مجهودها فى البيت ...البيت مسؤلية على الست ...و السعى وراء الرزق مسؤلية الراجل .
آسيل : تمام ..بس انا أفضل إنى اشتغل عن القعدة فى البيت -تتنحنح ماما كمن تريد تصحيح كلامى ...و كأنها تقول" أسيل هطفشى العريس"
استأنف كلامى " القعدة فى البيت ممكن هتصيب البنت بالعطب ...".
يقاطعنى بلغة سخرية " عفوا يا استاذة ...لكن هتجنبها مواقف لا تليق بزوجة أو أم "
آسيل : البنت المحترمة ميتخافش عليها ..والدى علمنى و ربانى كده .
أكرم : و نعم التربية ...أستاذ وليد رجل محترم و أب واعى .
و الدى: ( بإبتسامة لإستحسان الإطراء ) و أنت ابن أصل و أخلاق عالية و ده أهم شئ فى الراجل ...

يبتسم أكرم و لاول مرة أرى أبتسامتة الواسعة التى جائت نتيجة إطراء والدى له ...و فى رأسى أتسأل:
ما الذى يجعلك تضحك و تترك عبأة الصرامة تلك ...؟
و جهت إليه سؤال تعجب إنى سألته ..." هل أرتبطت من قبل يا أكرم ؟"
أما أكرم فتغير لونه و بحلقت الأعين فى و لكنى أنتظرت الإجابة و لم التفت للنظرات أو ردات الأفعال خاصة محمود أخى ...
أكرم : أسيل ..من حققك تسألى أى سؤال و أجوبك ..أيوة خطبت من قبل و مكنش فيه نصيب ... و السبب عدم التفاهم و الثقة .
لما سمعته تقهقر صوتى داخل حلقى و أحسست بالغصة " هل كنت فجة فى طريقتى معه ؟؟؟"

أنقضت الجلسة ... أنقضى الوقت و لم أصل لنتيجة بعد ..لا أملك التسرع فى الحكم ولا أملك الرفض ... كيف أواجه والدتى و أتهامتها لى بأننى " أطفش العرسان " ... أو كيف أرد عليها حين تقول لن يصبح لى أحد لو توفت هى و أبى و" أن بعد الاب و الام الكل ينصرف لحاله" ؛ صحيح لأخى حياته الخاصة و لن أحمله عبأ حمايتى ...أدفس جسدى فى الفراش حتى أفوت فرصة الحديث عن العريس الليلة حتى أكون جاهزة غدا ...لكن أفقت على صوت أمى تقول أن أكرم طلب من والدى مقابلتى وحدنا فى أحد النوادى القريبة ... و سألتنى عن رأى ، رفعت رأسى مسرعة و أجبت بالإيجاب ؛ ضحكت و لسان حالها يقول " عجبها العريس" مستبشرة بالموافقة على مقابلته ثانيا دون الضغط على - كما سبق و فعلت مرات عديدة ؛ لقد وفرت عليها " المنهدة " و أستجبت لإلحاحها دون المرور بما سبق ...

Friday,25 September 2009

-2-

الجو حار خانق إنها الثالثة و نصف ظهرا . السيارات تسير ببطء وسط المدينة . أنظر إلى الساعة و أنا أشفق على الوقت الذى يمر بسرعة بينما نحن نختنق ببطء بعوادم السيارات و الزحام . وصلت أخيرا إلى البيت أدير مفتاحى فى "الكالون" كمن تدير عجلة الزمن فيتوقف عند نفس اللحظة ؛ فى البيت تمر الأحداث متسارعة ربما لأنى أعرف بالضبط " السيناريو" لما سيحدث كمسرحية هزلية من فصل واحد يؤدى أبطالها المشاهد كل يوم فأصبح روتين يومى اسمه أيام الإسبوع ؛ هذا ما يدعونى دوما لأخذ منعطف اللاواقعية كما يسمونها أفراد أسرتى .

يهاتفنى محمود حتى يذكرنى بالموعد الذى سبق تحديده مع أكرم ؛ تذاكيت و تظاهرت بنسيان الموضوع - فى الحقيقة كيف أنسى مثل هذا الموعد ، لم أريده أن يسئ الظن بى و يستبشر قبل أن أعطى قرارا حاسما . رغم أنى قاربت عتابات الثلاثين من العمر إلا أنى مازلت طفلة تعشق الرويات الخيالية مثل السيندريلا و الشاطر حسن و مثيلتها ، حتى أنى يومها بعد محادثتى لأخى وقفت أنظر إلى صورتى فى المرآة كمن تحدث نفسها ( مريتى قوليلى يا مريتى مين أحلى منى ..و غنيت "هذة ليلتى" لام كلثوم ). وضعت أحمر الشفاه و أردت مفجأته بالتغير، بل وددت أن أثبت لنفسى أنى قادرة على التغير . صعدت إلى سيارتى التى أعتنى بها جيدا فهى جزء منى أو طفلتى و كم أعشق تلك السيارة الصغيرة . أستشعر الغربة فأنظر لصورتى فى مرآة السيارة على غير عادة أتفحص ملامحى ,.."هل هذة السيدة حقا أنا من تغير مسارها أم أنها فقط روح المغامرة و التغير .. لا أدرى "

و صلت إلى النادى و بدأت تقل خطواتى حتى تتسم بالوقار المصطنع تخفى اللهفة لما سيحدث بيننا ؛ كنت أتسأل "عندما يسألنى أكرم عن نفسى هل أجيب بوجهى الحقيقى أم بوجه تلك السيدة التى لا أعرفها ..هل سيتقبل طفولتى لو عرف أمرها "..
أنكمش بدنى و تقلصت ابتسامتى بعد أن لمحته من بعد ، لم يبتسم لكنه أخذ يلوح بيده داعيا إياى للجلوس ليس على " تربيزات الكافيتريا " و لكن نجلس قرب ملعب التنس .

أكرم كان يرتدى زى غير رسمى و يتحدث بطلاقة و أخذ يسأل عن حالى .أستغرقت ثلاث ثوانى حتى أجيبه و أبادله التحية ...

أكرم : أنا جيت بدرى ولا أنتى اللى أتأخرتى ..؟
آسيل : لا أنا أتعودت أجئ فى ميعادى بالظبط لا بدرى ولا متأخر ..
أكرم : دقيقة فى مواعيدك يعنى .
آسيل : التأخير بيزعجنى جدا و بحس بتوتر لو جيت عن ميعادى بدرى .
أكرم : أنا ديما بكون فى ميعادى أو بدرى كمان ...
آسيل : أكرم ..(أصمت لبرهة ) أنا سعيدة إنى قابلتك انهاردة ..
أكرم: (على وجه تكسو ابتسامة عريضة كمن فاز فى البطولة ) أنا أسعد .
آسيل : أنا سعيدة أن الجو جميل أنهاردة و أول مرة أقعد قريب من ملعب التنس و أحس أن المكان ممتع من هنا ..
أكرم : ( كمن أبتلع فرحته ) و أنا سعيد أنك سعيدة ..

نظرت إليه و ألتقت نظرتنا لنصف دقيقة دون كلام ، لم يقل لى أحد مثل تلك العبارة و ليس بهذة الطريقة . أستعدت رشدى بعدها حين صرخ أحد لعبى كرة التنس معلنا الخسارة أمام خصمه ...

آسيل: أكيد كان عندك أحلام و طموحات ياترى حققتها ولا لسة ؟
أكرم : الحمد لله أنا دلوقتى مشرف فى وحدة إنتاج لشركة لها سمعة تقيلة فى مجال النشر و الطباعة . أنا معتمدتش على حد يا آسيل فى حياتى أشتغلت ليل و نهار و ضحيت كتير ببعض أحلامى ..
آسيل : أنت إنسان جميل جدا ..و إن شاء الله ربنا هيوفقك .
أكرم : شكرا على مجاملتك ...أنتى مبسوطة فى شغلك ؟
آسيل : الحمد لله مبسوطة لأنه بيشغل وقتى و بتعامل مع الأطفال ..متتصورش أنا بحب الأطفال قد إيه ..
أكرم : إن شاء الله يبقى عندنا أولاد حلوين كده شبهك ..أنتى جميلة أوى يا آسيل.
آسيل : ( تحمر وجنتاى ) شكرا ، بلاش المجاملات دى علشان متحرجنيش .
أكرم : بس أنتى شكلك حلو لما بتنحرجى ... آسيل أيه رأيك فى الجواز من غير قصة حب ؟
آسيل : سؤالك غريب جدا ، بس الاول ايه هو الحب .. الحب بالنسبة لى زى أرض زراعية ممكن تزرع فيها و تطرح و تزهر و ممكن تجف و تبور " الرك على الفلاح" . الحب هو الحبيب اللى تكمل به شخصيتك أنت بتحب الجزء الناقص منك و اللى هيكملك . بس دى نظرة رومنتيكية مش دايما بتكون صحيحة . الحياة ممكن تكون مستقرة بقليل من الحب والكثيرمن التفاهم والاحترام لكن عمرها متستمر من غير الاحترام و التفاهم و الاخلاص حتى لو كان عشق مش حب بس و دايما بقول إن البنت بتحب الشخص اللى بتحس معاه بالامان.
أكرم : أنتى عرفة إنى كنت خاطب قبل كده بس أنا عرفت من محمود إنك كنتى مخطوبة (يصمت و ينتظر إجابة لعلها بالنفى دون الايجاب ).
آسيل : ( أومئت برأسى ) محصلش نصيب .
أكرم : كل شئ قسمة و نصيب .
آسيل : معتقدش أن التفاصيل لها أهمية لأنها ماضى و ملهاش أثر ...
أكرم : أنتى كدابة .. أنا آسف بس أنتى باين عليكى الكدب ..
آسيل : أكرم ... مسمحلكش ... لو سمحت بلاش طريقة الكلام دى ...
أكرم : آسيل... إسمحيلى أكلمك بصراحة لأنى بحترمك و أعتبريه حوار إستثنائى .
آسيل : ( بدى على ملامحى الإهتمام ) أتفضل و أنا بحب الصراحة ديما .
أكرم : أى تجربة إنسانية بتعلم فى أى إنسان ومش عيب يعترف علشان يتفادى نفس المواقف .
آسيل: ( اتسعت عينى ) صعب إنك تعترف بده للإنسان اللى هيكون شريك حياتك .. ديما الجراح القديمة بنغطيها علشان نتفادى مشاكل ممكن نقابلها فى حياتنا الجديدة ...
أكرم : أنا مش عاوز أغطى أى حاجة بالعكس عاوز كل شئ يكون واضح قدامك ...
آسيل : قد ما كلامك فعلا إستثنائى و حسة بالسعادة لأنك بتقوله بس أفضل أن أى شئ فى الماضى يكون إنتهى بالنسبة ليك و كون متأكد إن الماضى بالنسبة لى إنتهى حتى من قبل ما نتقابل ...

مر الوقت علينا لم أدرى كيف مضى لكنى لم أكن أريد أن تنتهى لحظة سعادتى الاولى فى لقائه . نبتت براعم الفرح غطت أرض القلق .و حقا شعرت بالفرحة لوجوده معى و لدخوله حياتى فى هذا الوقت .عدت إلى بيتى أتغنى بالفرحة و الضحكة لا تغادرنى . تحررت الطفلة بداخلى .. أعترف هذة المرة بالسعادة ، لم أتضايق هذة المرة من أسئلة والدتى المتكررة حول ماذا حدث و ماذا قال أكرم ؛ جاوبتها بإستسلام و هذا ما أدهشها قالت فى نبرة تعجب و فرحة مكتومة "إتجننتى به للدرجة دى ؟"
لا أدرى حقا هل أصابنى أكرم بالجنون ... أم طيف الأحلام بالعيش معاه و فى كنف حبه ؟
شخص مثله حين يحب لا يكره ولا يخون ... أحلم بسعادتى معه .

Wednesday,30 September 2009


الجمعة، 12 مارس 2010

آدم و حواء



حــــــ آدم ــــــواء
________

بعد عناء عام كامل أقضيه - و أنا الكاتبة الأصغر فى أتحاد الكتاب المصرين - أهرع للسفر إلى مدينتى :مدينة الاسكندرية . هوائها يشكل جزء كبير من أبداعى القصصى و الروائى . حين أترك سيارتى فى المكان المخصص للركن أعلى كوبرى أستانلى أنبهر بإتساع سطح البحر و لكم أود أن أصير جزء منه ، أسمع الموجة تلطم الاخرة حتى لا تسبقها و أشعر بأندمجهما و تلاشيهما على الشاطئ. هذة المرة فضلت أن أستقل القطار فقد مللت قيادة سيارتى على الطريق الزراعى الذى أفضله دوما عن الطريق الصحراوى . كانت هذة المرة مختلفة بالنسبة لى فكنت أبحث عن التجديد و التغيير ربما كنت أود أن أتمتع بروح المغامرة و أرجع لسن العشرين ، و لكن ها أنا فى الخامسة و الثلاثين ولا أفكر سوى فى كتابتى و حياتى و حياة من أحبهم ...لكنى أحتاج الان لبعض التحررمن قيودى تلك أو لعل الاسم المقبول لها مسؤلياتى ...

وصلت لمحطة مصر فى وقت متأخر بالنسبة لى لكنى لحقت القطار قبل دقائق و قد بداء الان بالتحرك و مازلت أبحث عن المقعد المخصص لى ،وجدته بمساعدة المختص و جسلت إلى جوار زوجان ، كل منهما منشغل بتفحص بعض البطاقات و أسمع ضحكات خافتة ...تنظر إلى المرأة و كأنها تراقبنى هل أتابعهما أم أتجاهل تصرفاتهما و للحق كنت أتابعهما و كيف لا و أنا مشهورة بالفضول الذى يدفعنى إلى خلط الشخصيات الواقعية بحياة لا واقعية فى بعض كتاباتى .و ينظر إليها الزوج ثم يستدر لى و كأنه يتابع هل تظن أنى معجبة به و لعل ذلك ما جعلنى أبتسم فى وجهه لمجرد الفكرة و ليس لأستشيطها غيظا ؛هكذا بعض النساء تحب أن تثير غيرة الاخرى لتقع فريسة سهلة للغيرة و الشك لكنه تصرف بذكاء و عرفانى بنفسهما : آدم و حواء.

آدم و حواء هما أبطال لبعض العروض على خشبة المسرح التجريدى و لهما عدة عروض منها ألف ليلة وليلة ، رقص العنكبوت و ألوان الربيع...و أخريات من الروائع الكلاسيكية. كان بالفعل ثنائى مميز فنيا ، وعلى الصعيد الشخصى كانت تربطها علاقة شخصية قوية .؛كانا مؤمنان بالفن التجريدى و يرانه هروب من الواقعية الملموسة للدخول إلى واقعية عقلية أكثر وعورة وأكثر تمحيصاً للمفاهيم الفلسفية للوجود،
سرعان ما بدأت أعرفهما بنفسى . أخذا حدثانى عن زيارتهما لمصر و كيف أن فنهما إعتلى مسرح الطائف بالمغرب و لقى حفاوة و أعجب الجمهور ، لذا قاما بزيارة منسقة مع المركز الثقافى المغربى ووزارة الثقافة المصرية حيث سيعرضا مقطتفات من عدة مسرحيات لهما و ذلك داخل حديقة مكتبة الاسكندرية . هنأتهما على النجاح و تمنيت لهم التوفيق . نظرت حواء لآدم فأومى برأسه فوجدتها تخرج بطاقة دعوة للحفل تهدينى إيها . شكرتها كثيرا و قلت أنى لن أفوت مثل تلك التجربة الجديدة ...

سعدت حواء كثيرا بحديثنا حول سيكولوجية الرجل الشرقى و ظل آدم يبتسم من حين لاخر رغم أن له رأى مخالف لنا فيما إتفقنا نحن النسوة ثم وجه آدم حديثه إلى زوجته و إستدار إلى "ما رأيك أن تأتى قبل الحفل و ترى الترتيبات ...ستسعدنا حقا زيارتك "
ظهرت إبتسامتى الطفولية التى غطتها خطوط العمر الدقيقة و أبديت قبولى للعرض و أنى سأكون حاضرة . و ها قد و صلنا سريعا إلى الاسكندرية فودعتهما بحرارة و تبادلنا أرقام الهواتف ...

و ها قد عادت نفسى القديمة التى أستبدلتها منذ زمن بأخرى لا تعرف المرح و لا يشغل بالها سوى العمل و النجاح ...أخذت حقيبتى الصغيرة و فيما أمر بأحدى محال الملابس تخيرت لتلك المناسبة الفريدة ثوبا أظنه يلائمنى ؛ سارعت للمشى فى شوارع الاسكندرية بعضها جميل و مزخرف بنقوش قديمة و لكنها شوارع ضيقة لا تلاقى نفس الاهتمام بالشوارع الكبرى القريبة من الكورنيش و المناطق التى تمتلئ بالمصيفين ، لكننا فى الشتاء و ها هى الشوارع مكسوة بقطرات الامطار على الجدران و أرى السيدات تنتزع الملابس عن الاحبال ،و لكنى لا أجرى فأعود إلى منزل صباى : ذلك المنزل العتيق الذى و رثنه أنا و أخواتى عن جدنا و منه بعده والدانا -رحمهما الله. حين وصلت أعتاب البيت و رأيت الاقفال الموصدة ، أحسست و كأنها حالتى حين أغادر هذا المكان و هذة المدينة لم أنسى بالتأكيد شراء بعض أحتياجاتى للإقامة و بدأت بهمة تنظيف المكان و فتح النوافذ رغم برودة الجو .فى المساء هاتفت أخواتى و أطمئنيت عليهن و على أسرهن ، و عدت بذكرياتى لحياتى و لهوى ، فتذكرت الفتايات و شقواتهن و كيف كنا (أسكندرنيات على حق) و أنها الفترة الاجمل فى حياتى بأسرها ... ذلك قبل أن تنتقل أسرتى لحيث يعمل والدى فى المدنية الصاخبة . أشفقت على نفسى من الوحدة فنزلت أستنشق الهواء . قادتنى قدماى إلى المترو القديم و ركبته و نزلت عند الانفوشى و حلقة السمك التى تعلن عن جو الاسكندرية الآخاذ، عن يسارى أجد مراكب الصيد بعضها هالك و لا ينفع و القليل منها يستخدمه الصيادون طلبا للرزق ...أسرعت خطاى حتى زورت متحف البرمائيات و لان الوقت كان متأخرا غُلقت أبواب القلعة فلم أدخلها و أكتفيت بمشاهدة البحر من على صخرة عالية قليلا بعد أن أحاط السياج منطقة المصادات القديمة . حين كنت أتى إلى الاسكندرية و عمرى عشرين عام أو أكبر بقليل كنت أقفز على تلك المصدات و أسمع الحارس ينادى بأعلى صوته - أرجعى ممنوع - لكنى أعتادت أن أرفض الإنقياد و أظل واقفة تداعبنى النسمات و أتحدى البحر و اقفة حيث لا تطلنى الامواج...

و بعد يوم لا أكثر حان ميعادى مع حواء و آدم ، أرتديت الثوب و كأنه ثوب العيد الذى يشتريه لى والدى و حقا كنت خائفة أن يحدث شيئا فلا أظهر بكامل رونقى و جدتنى أتخير ثوبا كالفراشة ــ فألوان الفراشة تذهلنى ــ و أرتديت معطفى فوقه. أستوقفت سيارة أجرة لأصل إلى المكتبة . و ذهبت فوجدت الامن يسمح لى بدخول و أردكت أن الزوجان صديقاى قد أعلما الامن بدعوتهما لى حتى لا أواجه أى عراقيل فى الدخول حيث ترى الوجه بدون زينة خلف الستائر الحمراء ، أرى كثير من المريا مشهد يشبه خلايا النحل . أستعلمت عن مكان وجود الزوجان فأرشدتنى إليهما إحدى العاملات، أستقبلانى بكل ترحيب و حب ...و أحببت ذلك الشعور كثيرا و تمنيت لهما التوفيق وأنى أفضل مشاهدتهما من خلف الكواليس و ليس حيث يشاهدهم الحضور. لم يمانعا بل حبذا الفكرة ؛ و جدتنى لست الوحيدة التى تشاهد العرض من الكواليس و أنما العاملين و كل من ساهم فى العرض خوفا من حدوث أى مشكلة و كذلك لانه حقا ممتع لا تنظر بسطحية المشاهد و أنما تقدر الجهد المبذول فلا تنسى أنهما كيانان حيان لهما حياتهما و يقوما بما يمتع المشاهد ...لكن على الكرسى أنت فقط تشاهد لا تفكر سوى بما تشاهده ربما المشهد و ربما ملابس البطل و البطلة إلى أخره ...


بداء العرض و كان ضوئيا و صوتيا و حركيا و كلها تحدث عالما خياليا لكل منا طريقة لفهمه و إدراكه ...

الاضاءة تسلط أشعتها على أجسادهما التى تتحرك فى تناغم إيحائى لتمثيل أحد مشاهد مسرحيتهما "رقص العنكبوت"...
البداية: يأتى آدم و ذراعيه مضمومتان إلى صدره و حين يقترب من حواء يبسط زراعيه فينفتحان و كأن زهرة ما قد فتحت أورقها للندى،و ها هى حواء تحوم حول آدم كى تتأكد أنه هو الذكر المرغوب ، لقد جذبها إليه و ها هى ترى استعراضا لقوته أمام خيوطها فتمسك طرف الخيط جيدا و تدور حوله فى خطى بطيئة و كلما إقتربت تظاهر العنكبوت بالآلم وإلى أن لا يفرق بينهما سوى خطوة واحدة فيسقط أمامها صريعا فتقترب فى لهفة فتجده متظاهرا بالموت حتى يفجأها بهدية الزواج فى فمه. و بعدها تصبح العنكبوتة أسيرة هذا العنكبوت ، و بعدها بلحظات من الزهو ينطلق خارجا من نسيجها قافذا خوفا من أن تناله فلا ينجى بحياته من إفتراسها ....

يصفق الحضور لبراعة أداء البطلان و اندماجهما فى العرض ينحنياء أمام التصفيق تحية للحضور ...
تقفل الستائر الحمراء على هذا المشهد و يستعدا النجمان لمشهد أخر لم أرد أن أقطع تركيزهما فى العمل لان وقتهما محسوبا جيدا ، سأجعل الاعجاب و التهنئة بعد أنتهاء العرض ...

تعلو وجه آدم تعابير الصرامة و الجلد و يتحرك برشاقة و بإستقامة الجندى و هو ممسك بفتاة تعرفها من سيماها بالتمرد و ها هو يقرب كفه من شعرها الاشعث، ثم هى تبعد رأسها عنه ، فيلحقها بصفعة على وجهها ... فتزيد عنادا . و تلين حين تراه يأتى لها بكوب الماء فيروى ظمأها ، هنا يرفع رأسها كى يرى عينها التى تشع تحدى و قوة و كيف أنها تؤسر الجنود جميعا و هم يلهثو حتى تنظر لهم . تقف كارمن وهى مطمئنة أنه لن يأذيها . فقد سُحر بجمالها و ظلت تقترب أكثر فأكثر حتى دنت منه و هنا سمع صوت رأيسه يعلو صوته بالنداء "خوسيه..نافار أين أنت أيها الابله؟!" . تمسك كارمن فى ساقه فتستميله بنظرتها فيقول سأعود لكى و بعدها يتصدر آدم الساحة و حواء خلفه ،من ثم يعرضا كيف قام خوسيه بتهريب كارمن الغجرية و غرامه الابدى فى قلبه رغم قوته و صرامته إلا إنه ضعيف امامها وهى لا تقبل الضعف . و يجسو على قدمه يرجوها الزواج فهى لن تكون لغيره وهى تقول انا ملك نفسى لست ملكك و لست ملك لأى رجل ، فيتوسلها ثانية" كونى لى يا كارمن" . فتبعده عنها و تتركه وراءها ، فيطلب منها قبلة الوداع فتعود نحوه منتصرة ترى الضحية وهويتوسل الدواء ، و حين تلتصق به يفاجئها بطعنة فى قلبها يردد "حتى أطهر قلبك من الذنوب الحب "...

هك كان المشهد الختامى لمسرحيتهما كارمن التى ألفها الفرنسى بروسبير ميريميه،تُغلق الستائر مرة أخرى على فصل من فصول حياة آدم وحواء معا و لكن سرعان ما يلحقها المشهد الاخير ...

يخرج آدم و يتوسط المسرح و تتبعه حلقة من الضواء و تستقر عليه و كأنه يشكو من جرح غائر فى القلب ، بعد أن مد يديه إلى السماء قبضها ثانية ،و أدار ظهره إلى الجمهور و يرفع يده مره أخرى ؛ تخرج الراقصات تلتف من حوله و يرقصن رقصة الالم ، ثم تسقط الواحدة تلو الاخرى . تخرج حواء و تمشى بخط منحنى بين أجساد النسوة الممدة على المسرح ، ثم تقف امامه فى ثبات و تمد زراعها حتى تلامس كتفه ،و يميلا رأسهما معا ، ثم يمد يده و يضعها موضع كفها و يمسك بها و يلقيها إلى الارض بشموخ ذكورى يحمل لغو الانتقام . تميل حواء و تلتف أمامه فيشفق عليها و يتركها ، فتبتعد مسرعة خارج دائرة الموت و تدور فى دائرة أوسع ثم تقف و تجرى نحوه بسرعة ، فتتلقفها زراعيه و يحتضنها و تتسع حلقة الضواء من حولهما فتقوم الراقصات و تلف شرائط حول شهريار من ثم بعد أن تحكم قبضتها عليه و يجثو على ركبتيه يقوم و يقف و يبسط زراعيه للسماء فتدور الراقصات فى الاتجاه المعاكس و تنفرج من حوله العقد ... و يتحرر أخيرا و يعود لأحضان حواء .

كان هذا هو المشهد الختامى لما قدمه الزوجان بحديقة مكتبة الاسكندرية الكل يصفق من خلف الكواليس و الحضور و ينحنى النجمان للحضور تحية وكلاهما ممسكا بيد الاخر ... و حين إسقبلتهما لكم بلغت بهما السعادة بما حققاه من نجاح فى هذا اليوم ...و أنا أيضا سعيدة ليس لانى شاهدت عرضا بديعا راقيا و أنٍما لانى أحسست بمعنى جديدا للحياة ...فرحت كثيرا بعلاقتهما معا و فرحتهما المقسمة بينهما . قلت هكذا أنت آدم و كذلك أنتى حواء ...

تمت
Friday, November 21, 2008

الأربعاء، 10 مارس 2010

لوحة الفنان الكاملة


لوحة الفنان الكاملة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تبداء الحكاية حين إلتقت حنان الشابة بعاصم الرسام الموهوب .أما حنان فهى عاشقة للفن ،مرحة، و منطلقة و محبة للحياة ..لم تكن جميلة ...فجمالها لا تقدره إلا أعين فنان ..رموشها السوداء الطويلة الكثيفة تخطف الانظار إلي عينها ..فكانت عينيها حقا فاتنة ،رغم أنها لم تكن جميلة إذا ما قارنتها بالأخريات ...إلتقت بعاصم صدفة فى حفلة أقامها أحد أصدقاء عمها مختار ،الصحفى بجريدة الحرة . وكان تعارفا عابرا أوله نظرة إعجاب بفن و لوحات هذا الفنان المخضرم عاصم .كانت لوحاته ذات طابع فريد الضعف من وراءه قوة ...و من وراء الجمال قبح ، كان فيلسوفا بحق ..تجاذبا هما الإثنان أطراف الحديث و هم هو بعد ذلك بالإنصراف ... أما هى فكانت تفكر فيه و هو الرجل الرزين العاقل الذى لا يشغله عن حبه لعمله و حياته إلا قلة قليلة من الأصدقاء . أما هى فكانت حياتها نشطة مليئة بالأصدقاء و الصديقات و السفر و الندوات .حنان طموحة و واعية، بعد الحفل أرادت بشدة أن تحصل على عنوان عاصم و رقمه، وتمكنت بالفعل من ذللك ...نعم هذا ما أرادت ...قضت ليلتها و هى تضغط علىأزرار الهاتف من ثم تتراجع ...فتسأل نفسها "ما سبب تلك المكالمة؟ و لما أريد محادثته ؟ " هناك فرق كبير بين حياتهما ، لكنه أغراها بكلماته القليلة و سحر إبتسامته الواسعة ..أغراها بفنه و رقته ...
لو أن حواء أخرجت آدم من جنته ، فها هو آبن آدم يخرج حواء من جنة راحة بالها ..

يمر إسبوعا كاملا على هذا الحدث ..تظل مشغولة الفكر ، تفكر فى رؤيته ...تمر من أمام ورشته الفنية و كيف كانت مكتظة يومها بالزائرين ...لقد كان يوم ميلاده و أتى بعض طالبته الأوفياء ليحتفلوا به ..لقد عمل فترة بالتدريس فى كلية فنون جميلة ..و ها هى تقدمت تلقى عليه التحية معللة سبب زيارتها أنها كانت قريبة و أرادت إلقاء التحية ... فدعها للبقاء ...و جدته إنسان بسيط مع طالبته يقدم لهم أكواب الشاى بالحليب و كيف يكره القهوة ...و تسمع الضحكات العالية تعلن عن المرح و سعادة فى القلب .. يمر الوقت سريعا فتجد نفسها تستأذنة للإنصرف ..و تتنمنى له حياة سعيدة مديدة ...لكنه يظل يردد "لا إنتظرى ..سأركى شيئا "...ثم أدخلها غرفة حيث أعماله التى لم تكتمل بعد ..لا يزال يعمل عليها ،كانت حوالى ثلاث لوحات ..
تتوجه إليه : كيف تترك مثل تلك الوحات الرائعة دون أن تنهيها...
فيرد قالا: لكل منهم قصة معى ...و يصمت.
فتسأله حنان "و ما حكايتهن " ... يجيبها عاصم"هذا ما سأقوله لكى فى المرة القادمة ..هلا تعاودى زيارتى مرة أخرى لقد سعدت حقا برؤيتك اليوم "...يتزلزل كيانها لتلك الكلمات الرقيقة ، وكان نظرها مصوب نحو مخارج الحروف حتى تختزن ذاكرتها كيف ينطق الكلمات .. ثم ودعته و خرجت متجهة إلى سيارتها .. وتردد بصوت مسموع للمارة ووجهها تعلو فوقه البسمة و كأن الفريق الوطنى سجل هدفا.."قد قالها ...كاد أن يقولها .. إنه يريدنى ..يريد أن يرانى "

فى المساء جفا عينها النوم ، ظلت تفكر فى عاصم و كيف كان يومها معه ...تنطلق إلى الهاتف و تضغط بخفة على الأزرار فيرن الهاتف و لكنه لم يجيب ... لكن تسمع صوته الحنون العذب .." أنا عاصم ..أسف لست متواجد ..أتركوا رسالتكم و سأرد بعد عودتى "
تغلق الهاتف بعد أن تملكها صوته ..و ظلت تحلم به و لا يشغها سوى صورته ...فلا تقوى على النوم دون أن تطمئن على عودته سالما ...و للمرة الاخيرة تمد يدها نحو الهاتف و لكنه يرن فتلتقط السماعة على عجلة متمنية أن يكون المتصل هو عاصم ... كان عمها مختار يطلب والدها فى أمر مهم ..و بلغها رسالة توصلها لوالدها ...و لكنها تنساها حينما تفرغ من المكالمة ... يرن الهاتف مرة أخرى ..و هنا قد فقدت الامل أن يكون هو ... ترفع السماعة و تقول ..مرحبا ..فيأتى صوته رادا عليها التحية ثم يقول "لقد هاتفنى هذا الرقم عدة مرات ..فمن المتصل ؟ "
تجيبه حنان "كيف حالك أنا حنان ..كنت أطمئن عليك و أشكرك على الشاى بالحليب ..هل أنت متفرغ غدا ..ما رأيك فى رحلة إلى الفيوم ؟ إنى ذاهبة غدا إلى الفيوم فهل تحب أن تأتى ؟"
أستحسن الفكرة و قال أنه عمل جاهدا طوال الاسبوع و يحتاج إلى الراحة ..فأكدت عليه الميعاد و كيف و أين سيلتقيان...و حيته و تمنت له ليلة طيبة ..

بعدها تذهب حنان إلى سريرها و تظل صورته مهيمنة على فكرها منشغلة بتفاصيل اللقاء ماذا تقول و كيف تتصرف ...و تستيقظ متفائلة فى الصباح ..و لما لا تكون وهى عازمة على مقابلته؟
بعد اللقاء وجدته متعب فقد سهر طيلة الليل على أحد أعماله لذا ألحت عليه بأن يستقل سيارتها ولا داعى أن يقود سيارته ..حتى يتمكن من النوم قليلا و يستمتع بباقى النهار ...اإستغرق عاصم فى النوم ..أما هى فظلت تراقب ملامح وجهه...و تشبه بالملاك النائم ..أما هو فلا يتقلب ولا يتحرك حتى أن أضواء النهار أو صوت الضوضاء لا يزعجه ...أنه منهك القوى ...قبل أن يصلا بقليل يستيقظ و يعتذر لأنه أستغرق فى النوم طويلا و أنه تركها للمل ..
تسترد إليه قائلة: هل تشعر بالجوع ..أنا أموت جوعا ...
قال عاصم : آه آسف ..سأنزل و أشترى لنا بعض الأشياء حتى نصل إلى الفيوم و نتناول الغداء...
ينزل عند أول محطة للبنزين ويدخل المتجر و يشترى عدة أشياء كان من ضمنها لبان بطعم النعناع ...فتترك حنان كل الاشياء و تنتزع اللبان بخفة يد،لكنه يمسك يدها و يقول "لا هذة لى خذى أنتى الاخرى بطعم الكرز"
و يتجادلان فتقول حنان من يمسكها أولا تكون له ...كأنهما طفلان يلعبان ..و تعلو ضحكات صبيانية ..و تعلن هى الاستسلام و يخرج هو منتصر..

يتركها تتحدث و هو منصت لها ..تحدثت إليه عن أهلها و حياتها و أحلامها و مشاعرها حتى مخاوفها ..و هو ينظر إلى عينها لا يحول نظره عنهما...ثم تدرك إنها تتحدث ولا تترك له مجال الحديث . فتعتذر عن سلوكها و أنها حمقاء .. فيهدئها بقوله إنه مستمتع بحديثها ... فما سيحكيه هو ليس إلا ماضيا ولى و إنتهى ...ساعتها تذكرت حنان الوحات الثلاث...و سألته عن سرهم ...
جاءت أجابته تنهيدة طويلة يشق بها جدار صمت السنين ثم يعتدل فى جلسته و يقول :
الصورة الاولى لزوجتى ناهد(يخرج صورتها من محفظته)كانت تملك الكثير من حسن الطلعة و توفت بعد عناء و صراع مع اللكيميا ،و أنى أفتقد حنانها ..هى الوحيدة التى أحببتها حبا خالصا طاهرا و ما خنتها يوما ...أما الثانية فهى لإحدى طالباتى التى نسجت خيوطها لتوقع بى فى شباكها حتى تزوجت بها عرفيا ..لكن زوجنا لم يستمر لصغر سنها و لأنانيتها و جشعها ...أما الثالثة فهى إبنة رجل بسيط هى فتاه تتميز بالبرأة و خفة الدم ...أشعر أمامها بأفتقادى لإحساس الابوة ...و أنى أحاول دعمها حتى تصير طبيبة ماهرة...
هذه هى اللوحات الثلاث التى لم تكتمل ...

ترد عليه حنان : أنت إنسان رقيق يا عاصم ..أسمح لى أتخلى عن الألقاب ..لم أكن أدرى أن السر وراء فنك هو تعبير مجسد لمشاعرك و حياتك ...و هنا تمتد إيدهما هما الاثنان معا نحو كوب الماء فتتلامس أيدهما فتخجل هى كثيرا و بأرتباك يظل عاصم يردد"أنا آسف ...آسف" ولا يوجد من جانبها تعليق و يمر الموقف فى هدوء...

فى طرق العودة يتحدث هو و يعبر عن سعادته و أمتنانه "إنى سعيد بالنزهة معكى ..لقد جاءت فى وقتها ..لم أشعر بسعادة مثل هذة منذ فترة طويلة ".
هنا توقف حنان السيارة جانبا و تترجل عنها و تطلب منه النزول حتى يشهدا غروب الشمس...فى تلك الأثناء يمتد بهما الحديث فيسر لها عن مشاعره الحبيسة و كيف أن جمالها لفت إنتباهه منذ أول مرة وقع نظره عليها و أنه ظل يتحرك حتى يراها من جميع الزوايا ..حتى إذا ما جاء عمها و عرف بعضهما إلى الأخر .. شعر بفرحة شاب فى العشرين يتحدث لأول مرة إلى الفتاه التى طالما كان معجبا بها ...ثم يتوقف عن الحديث و يقول " استمحيكى عذرا فأنا رجل أحمق كيف أفكر بمثل تلك الطريقة ..أنتى شابه جميلة و لكى مستقبل باهر فى شركة والدك ...و"
تقاطعه حنان قائلة " ما أدراك أنى سعيدة بكل هذا ..أنا لا أشعر بهذا مطلقا ...ليتنى كنت أشعر بألانطلاق كما أريد ..لا أريد السفر كثيرا لكنى أريد أن أكون آمنه أشعر بالاستقرار ...مللت العيش بتلك الطريقة.".
فيمسك عاصم بكفها و ينظر إليها " تتزوجينى " و يصمت لكنه لا يزال ممسكا بيدها لثوانى و يعيد علي مسامعها السؤال " تتزوجينى يا حنان؟"
و كأن الفرحة أضاعت الحروف من بين شفاها فلا تقوى على إنتزاع يدها من بين يديه لكن تنظر إلى الغروب ثم تنظر إليه و تقول " نعم"
و هو يضحك "هلا فكرتى مرة ثانية ...فلا تتراجعى عن قرارك"
و تبتسم و تجيبه " ألا تصدق ...نعم سأتزوجك ...لكن لابد و أن تكمل لوحتى أولا..."

تمت
Friday, November 14, 2008

كــائــن الــمــحــار




كائن المحار
ـــــــــــــــــــــ
كان يوما ...كان رحلة الى إحدى الشؤاطى ..حيث المياه البراقة و الرمال الصفراء ...النسيم يداعب الوجوه العابثة فى وجه مصاعب الحياة ... تنفرج الشفاة بالبسمة أمام خلق الله ... الطيور محلقة و الهواء يحرك الأمواج ...ياله من مشهد جميل يأخد الألباب المنهكة .. ينعش يقظة الانسان أمام قدرة الله..

تركت مقعدى و ذهبت حيث المياه التى إشتاق إليها الجسد و كأنها الحياة... فألقيت بنفسى فيها و كأن المياه تزيل عنى الآثام ...لم أدرك ماذا أسمع أهو أصواتهم أم هى همس الماء ..الشمس تاركة حرارتها على وجهى يشعرنى بوجودى فى الحياة ...ظللت هكذا وما أدرى عن الوقت شيئا...تمنيت أن تقف كل دقات الساعات ...و سبحت حتى الشاطئ ألقى الجسد الجديد إلى الرمال تحتويه ...و هنا أخذت الأنفاس تتصاعد و أقبل البعض يتسألون هل هناك خطب ما ؟
أكان حقا خطب أكنت عند خط الحياة ... إنى بخير الان ...أنا بأمان..

جلست حيث يفترض أن يكون مكانى ...ساكنة صامتة متأملة ...شريط الحياة لحظات لحظات ..أرى الاطفال يلعبون و يضحكون ...يقذف كل منهما الأخر بالرمال و هناك فتايات تبنى قلاع من الرمال ...فيقبل الفتية بعنفوان الشباب و يركلوها بقوة ...فلا يقوى البناء على الصمود ...ولا يبقى سواء أطلال ...هذى حياتى وحياة أخريات قلاع رمليه لا تقوى على دفع الامواج أو هزيمة الرياح ...

أشعر الان بالملل ..أمسك بالجريدة ..ما الاخبار لقد سأمت السياسة و أخبار الحروب و المفاوضات ... ألا يوجد فى الحياة سوى النزاع ...أحزاب تجادل أحزاب ...مشاحنات بين الابناء والاباء ..ألا يوجد شئ أخر فى هذة الحياة؟!
أقف عند عمود أنيس منصور لطالما أحببت البهجة التى اشعر بها حين أجد اسلوبه المتهكم ...

الان الشمس بدأت تشع بالدفء و الحرارة التى أشعر بها داخلى ...أقف على قدامى منتصبة ..كأنه نداء ألبيه...أتجه نحو أخر الشاطئ ولا أعلم ما أخره ...أرى زوجين فى الستين لايزالا متحابين...هربوا من ضوضاء المدينة الصخبة و جلس كل منهما ينال ونسته من رفيقه...أبتسم فى وجههما تحية لهما و كأنى أرى شابين عاشقين يتهامسا ... أره هو من بعيد شخصا دائما ما عرفت ملامحه ...إنه قريب منى ...و أنظر إلى عينه ..هامسة فى صمت ..ألا تعرفنى ؟ أما تتعرف على صوتى؟
و تتدافع بيننا النظرات و كأنها حديث ...و فجأة يغير أتجاه وجهه تجاه القادم نحوه من الإتجاه المقابل ...أنها ابنتى ...جاءت إليه تدعوه لينزل معها إلى الماء ...فلبى النداء و تركتى وراءه ورقة تنتظر أن تحملها الرياح ...

برهة و كنت أتراجع نحو مقعدى ...حتى لا تقلق على فتاتى الصغيرة ...أو أتاخر فيتسأل عن حالى هذا الغريب ..غريب كان بيننا يوما ميثاق غير مختوم ...إختفت بيننا تلك المشاعر و أصبح محلها الواجب المفروض ،و ها هو يأتى و كأنها المرة الاولى يضع كفه على كتفى ...و كأنه عناق ...نظرت له فى اشتياق هلا عدت الان ...رد قالا "لقد كنت دائما موجود ..لكنك لم تلاحظنى لقد غفلتى و قد حان ميعاد الرحيل" ... إبتسمت فى وجهه قالة: لقد كان يوما جميل..
" جرت نحوى ابنتى الصغيرة قالت :
ماما أنظرى ماذا وجدت أنه المحار
فقلت لها إطلقية و أنظرى لما سيفعله ...و ما إن وضعته حتى أخرج كائن المحار أحد أهدابه و تحرك نحو الماء ..فى محاولة لإستعادة الحياة و البقاء ...هيا حبيبة قلبى حتى لا نتأخر على بابا و نعود..

تمت
Tuesday, November 11, 2008

شهر يار و ساره زاد

شهر يار و ساره زاد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعد حفل عظيم شهده الأهل و الأصحاب ، ما ندرى أكان حفل بهيج يجمع الأحباب أم هو يوم تأبين لحلم قد غاب . إنصرف المهنئون بعد تناول ما لذا وطاب ،وأقبل شهريار إلى مليكته العروس الجديدة ساره زاد مبتسماً فهى ليلة لا يألف فيها هم أو زعل، أما هى فهو يوم نهاية العمر و بداية لما هو مجهول ...

تقدمت نحوه و جست على قدماه فأبتعد متشككاً فى نوايها ...
شهريار: ماذا تفعلين يا ساره زاد ؟
ساره زاد : مولاى كنت ألتمس البركة ،أولست اليوم زوجاً لى ؟
و أردت أن أطرب سمعك بحكاية فعساك تحب الحكايات ...
شهريار: لا...لا أحب حكايات النساء فكلكن سواء.
ساره زاد : أترانى مثلهن يا مولاى ؟
( يجذبها بقوة من ذراعها ) .
شهريار: و لما تظنى نفسكى تختلفين عنهن ؟
ساره زاد: لأنك اليوم تخاطبنى و تمهلنى حتى الصباح...
شهريار : ما يمنعنى أن أمر بقطع رقباتك الان ؟
ساره زاد : لأنك يا مولاى ما تفعلها دون ميعاد ؛ فقط إمهلنى بضع ساعات ... بل لحظات من السعادة ،أوليس هذا يوماً تتمناه كل الفتايات ؟!
شهريار: أكملى أذن الحديث ..لقد قلتى حكاية ، أن حديثك هذا أصابنى بالكأبة.
ساره زاد : مولاى الحبيب ذو الرأى الرشيد يحكى أنه كان غلام بسيط الحال يعيش فى زمان تطير فى الطائرات و كأنها بساط الريح يحمل مئات الركاب ...ألتحق صاحبنا بكلية العلوم بعد أن نجح فى الثانوية العامة بمجموع و كان له أخان أحدهما ضابط شرطة و الاخر طبيب بالمستشفى العام ...
شهريار : ما هذا أيتها الخرقاء ؟ما هذا الزمان ؟
ساره زاد : أتى على الانسان زمان يكون هناك شيئا يسمى مدرسة حيث يُدرس المواد و العلوم و الفنون ...غير أنها أصبحت عقيمة بعد أن كانت يوما من أحدث العلوم و نور للمعارف ...المهم يا مولاى أن الغلام تدرج فى صفوفها حتى وصل الى نهاية المطاف صار خريجا حديثا من كلية العلوم قسم الفيزياء النووية ...
شهريار: ما هذا العلم يا ساره زاد ؟ حديثينى عنه ؟
ساره زاد :إنه أحد العلوم الحديثة التى شهدها إنسان ذاك الزمان ...علم يُنتفع به أو يدمر به ...
الفيزياء النووية تستعمل في كثير من حقول المعرفة ، كالطب ،والصناعات، و الجيولوجيا ، والإلكترونيات ، وفي الفضاء ، و الآثار ، وفي التعقيم ، وغيرها الكثير و الكثير من الإستخدامات..تلك الفيزياء النووية أصبحت في ذلك الزمان ضرورة للعالم المتطور ، فقد أصبحت إحدى الأسس الكبرى لبناء المستقبل ، نظراً لما توفره من أمكانيات جبارة .ولكن للأسف أستخدمت الفيزياء النووية فى صنع القنابل و التدمير.و كلما كنت ذو سلطان و نفوذ تصير القوى بيديك تبطش بها من تشاء ....
شهريار :(فى غضب) أجُننتى ... ماذا تقصدين؟
ساره زاد: ما قصدت شيئا يا مولاى ...غير أن تلك العلوم المتتطورة تحدث جدلا و نزاع بين الشعوب و الحُكام ...سأكمل الحكاية يا مولاى ...بعد أن تخرج الغلام بتقدير جيد صار يبحث عن عمل ليل نهار ؛يذهب الى حيث معامل التحليل و معاهد الابحاث و ما من جدوى من البحث ...أما حبيبته فلم تطق الإنتظار و تزوجت من معيدها ابن زوجة العميد ؛هو شاب لديه إمكانيات و كما يقول أهل ذلك الزمان "جاهز من مجاميعه "...بعد أن نال من المساعدات الكثير و حصل على فرصة عمل فى إحدى دول الخليج البنغالى ....

و كان لأخوايه شأن أخر ...أما الضابط فكان قوى البنية شديد الطلعة لا تعرف إن كان حزين او فرحان ..كان يذهب كل يوما إلى حيث يعمل بقسم الشرطة حيث يتلقى شكاوى الشعب ...و هناك ترى اللصوص و المتهمين و الجناه ...هناك من المجرمين درجات فمنهم "الهاى كلاس.".. هناك يا مولاى يُجبر المتهمون على الإعتراف و يتبع معهم أسواء الأساليب و أشد العقاب ...
شهريار : ما كل هذا ؟ إنه زمن العبر؟
ساره زاد : صدقت يا مولاى ...فهناك القانون يطبق على الغلابة و من ليس لهم معارف ذو نفوذ يحتمون بهم أو يلجئون إليهم عند الحاجة....
شهريار : ماذا حدث بعد ... فقد أوشك صبرى على النفاذ...
ساره زاد : مولاى ألا يعجبك حكى و كلامى ....
شهريار: نعم لقد أصبتنى بهم كبير و جعلتنى أفكر فى حال الرعايا ...
ساره زاد : أحقا ...إذان لأكمل ما قد بدأناه فلم يبقى على النهاية سوى القليل ...
أعطاها شهريار الإذن بأشارة من يديه و جلس إلى جوارها منصتا لما تقول ...
ساره زاد : فى يوم من الايام تلقى ذلك الضابط بلاغا بأن إبنة اللواء فلان العلانى قد كسرت أشارة و صدمت سيارة موظف على باب الله .
شهريار : موظف على باب الله !
ساره زاد:نعم يا مولاى ...إن لقب موظف و هو لقب شرفى لكل مواطن محدود الدخل ... يقود سيارة بالتقسيط و يسكن فى شقة بالايجار...
شهريار : أكملى ...
ساره زاد : تلك الفتاه الجميلة البريئة نزلت عن سيارتها بمنتهى الذوق تحى الموظف و تطلب منه بمنتهى الإحترام أن يقبل التعويض بعد أن فرجت عليه أمة لا إله إلا الله و إتهمته بأنه الغلطان ...و أنه أعمى أصاب سيارتها " البى. أم . دابليو" . بخدوش من الامام ...أما المسكين فقد رفض التعويض و ظل يردد" حسبى الله و نعم الوكيل" ..فصرخت فيه و أظهرت اللون الحقيقى لأوالاد الثعابين ...و قالت " أنا أبنة فلان العلانى يا أبن تيت تيت و هو هيخاليك تبوس الايادى علشان تأخد التعويض"...كل هذا لأن صاحبنا لم يقبل التعويض و أراد أن يتبع الإجراءت القانونية و يعمل بالمثل اللى بيقول ..."مفيش حد فوق القانون" .

شهريار : أهكذا أخلاق بنات الجيل ؟
ساره زاد: لا يا مولاى ...أنها و احدة من أبناء رجال الامن و حاشية السلطان الفاسدين من يستغلون نفوذهم و يداوى أخطائهم على حساب الأخرين فأصبح ما من شئ يهمهم ...
و تكمل الحديث ...
ساره زاد : أما الاخ الطبيب فهذا ياعينى غلبان بعد أن أضاع من عمره سنوات و سنوات حتى يتخرج من كلية الطب ،عمل بالمستشفى العام ...فرأى ما لعين إنسى تقبل؛ مناظر تشيب لها الرأس شيبا ...أول ما رأه حالات القصر العينى و مدى الإهمال و المعانة...حالات تموت بسبب تقصير الممرضات و أخطاء الأطباء ...حتى أن طفلا يا حول الله قد تلقى ضربات من معلم الفصل فلقى الصغير مصرعه بين يد معلمه الذى أودعه تلك المستشفى ..فإذا بالطبيب يرى كيف يتم التلاعب بالتقارير حتى تخفى الحقيقة خشية على مستقبل المعلم الشاب ...
شهر يار : كل هذا يحدث فى زمن و احد ...ما بال الإنسان ؟
ساره زاد : الغريب يا مولاى أن الجميع يرجع السبب إلى نقص الاموال و ضيق العيش و أنه عيب الحكومة و الزمان ...
شهريار : نعم هذا غريب بعد الذى قلتيه... حبيبتى ساره زاد إن الفجر قد لاح و أدركتى الصباح ...لكنى عاهدت نفسى الابقاء على حياتك بعد ما أنرتى عقلى بحكايتك ..غير أن هناك شيئا محتوم ...
هنا نادى على مسرور السياف .
شهريار : يا مسرور أقطع لسان زوجتى المصون و أبقى على روحها .. فهذا حل يرضى جميع الاطراف ...

تمت
Thursday, October 30, 2008

لقــطـات الــحــيــاة


لقطات الحياة
______

هى فتاة شابة وسط عدد من الافراد، تعيش بين أسرتها و كأنهم أغراب. أسرة تجتمع على الموائد و فى المناسبات ... بيت يسود جدرانه إما الصمت أو الحنق... أياما تمضى تصارع فيها الأفكار ؛ فهى الشئ الوحيد الحر فى حياتها. تمسك بالقلم و ترسم وجوهاً بلا ملامح،ترسم غرفا فارغة. ذات ليلة أحست بوحشة الحياة و كرهت وحدتها فأرادت أن تشاطر أسرتها وقتاً كانوا يشاهدون التلفاز...فجلست إلى جوار والداها و والداتها و شقيقها الأصغر،وهم كل أسرتها و كل حياتها بعد أن دارت الحياة فى دوامتها الكبيرة فلا تجد الأسرة التى يعيش أفرادها وسط العائلة الكبيرة التى تحتوى أعضائها بحنان ،فلم يعد هناك الراوابط الوطيدة وأصبح الاشقاء كالمعارف يجتمعوا فى المحافل قبل العزاء...لم تجد ما يعرض على شاشة التلفاز يستحق المتابعة ؛وجددت نفسها تتفحص الوجوه و كأن لم تراها من قبل ...فظلت تراقب و تدقق فى ملامحهم جميعا عن كثب ؛ تتفحص والدها و هو يلقف التسالى إلى فمه كما يسدد لعب كرة السلة رميته فيسجل هدف...تتفرس تعبيرات والدتها فهى تارة متأثرة و تارة أخرى ناقدة ...ثم تلقى بنظرها إلى أخاها الذى يدعى أنه كبير و أنه راشد و يفرض رأيه على والدايه ...فتجده تافهاً يضحك سريعاً و يحزن سريعاً ،و كأنما لا يجد الوقت حتى يفكر هل هو سعيد أم حزين ،يتموج بين حالاته ...

فتقفذ عن كرسيها و تذهب إلى البلكونة حيث تشيح بنظرها إلى أحد الشرف فى العقار المقابل ؛ فترى مشهدا يستحق الإنتباه . ترى سيدةً فى الخامسين من عمرها ، تعرف ملامحها جيدا إنها السيدة التى تراها أحيانا فى المسجد و ربما تقف إلى جوارها ، تجلس فى وضع القرفصاء و أمامها صينية عليها براد الشاى و أكواب ثم تقدمها بيديها الى أحدا جالس أمامها على كرسى ... تتسأل ما الذى يجعل سيدة مثل هذة تجلس هكذا ؟ ربما ذلك سلوك عادى بالنسبة للسيدة ولكن لما لم ترى هذا المشهد الحميم الدافئ فى بيتها ؟

تمر بضعة أيام تنشغل فى حياتها الروتينية ما بين عملها وعلاقاتها السطحية مع زملائها ، رغم أنها محبوبة من الجميع لحسن خلقها و تعاملها ؛ غير أنك ستجد الحاقدين على حب الناس ، يفتعلوا المشاكل و الاقاويل ، لكنها لا تبالى ... ليس لأنها غير مبالية بالمحيطين و إنما لانها تواجه مشاكلها الحقيقية ولا تفزع من الهراء ... تنساق وراء مراقبة تلك العائلة دون غيرها؛ من يعيش مع تلك السيدة كيف هى حياتها؟
دون وعى منها وجدت نفسها تحاول التلصص على تلك العائلة ؛ فتجد أبنائها و زوجاتهم ، فقد من الله عليها بالذكور و لم تنجب بنتا تعينها. و تراقب كيف هى حياة العائلة و تذهب بمخيالتها إلىطرح أسئلة حول شخصية تلك السيدة و كيف تعامل زوجات أبنائها وكأنها أماً أم حماة أخرى من الحموات ... تشرد بأفكارها إلى حيث تتمنى أن تكون فرداً فى تلك العائلة ..أبنة لها ؛فهى سيدة كما تراها تداوم على الصلاة و أما مسؤلة و حنونة .

لقد عينت نفسها "كاميرا " تلتقط صورا و أشكالا لحياة أخرين و تناسيت تماما حياتها الشخصية .فأستيقظت على حقيقة أن سنون العمر تمر سريعا و فهى شابة غير متزوجة فى حين صديقاتها و أقرانها و ذويها ممن فى عمرها و أصغر منها صرن زوجات مسؤلات عن زوج و بيت وأطفال. أصابتها حالة من التمرد فأخذت إجازة من عملها و ظلت قابعة فى البيت معزولة عن الناس ...فإذا بوالداها و والداتها يزيدا عليها الخناق من إتهامات بأنها تريد الحياة هكذا متكائة عليهما و على أموالهما و أنها لا تريد تحمل المسؤلية ولا تفكر سوى بنفسها ... تكاد تجن من أزدواجية الافكار كيف تفكر فى الزواج و هى تستمع للعنات الزوجات ،أفتصير كمن تعرفهن صرن جاريات فى قصور السلاطين ... ثم تفكر فى الحب الذى بات شيئا مهجورا من قديم الازل يتداوى به كل عاشق محروم لا يملك الماديات ليتوج حلمه بالزواج ،ظلت عينها تلتقط المشاهد و العدسة لا تمل من النظر و التفكر فى أحوال البشر.

وجدت نفسها يوما تصارح والدتها برغبتها فى الزواج و تفرغ ما فى جعبتها من أفكار رومانسية كانت منسية و فى طى الكتمان ؛وبعد عدة أشهر قليلة تقدم عريس ...أطلقت عليه "عريس الغفلة" . وجدت نفسها مضطرة لمقابلة العريس المرشح . و تطلب منها و الداتها التزين و توصيها بما يليق بمثل تلك المناسبات ثم تحذرها من إغضاب والدها إذا رفضت العريس القادم من طرف أحد معارفه فى مجال عمله ...و هنا تجد نفسها سجينه داخل أسوار نفسها تحيط بها المخاوف و الرغبة ...

تحمل صينية المشروبات و تتقدم فى خطئ بطيئة نحو العريس و هو رجل ذو ملامح رجولية واضحة ،رجل فى منتصف الاربعينات،رجل متباهى بالشقة الواسعة و السيارة والاملاك و الامكانيات ...تحاول تغير الحوار إلى مواضيع تهمها ،فتجد نظرة قاسية من والداها و كأنما يقول ما هذا الذى تتحدثين به ...و كأن كل هذا اللغو وهى نائمة أو مغشى عليها ...فتفيق على أنها تمت خطبتها لرجل لا تعرف عنه سوى اسمه و لكنه يتعامل معها بلطف بالغ و أحيانا يحاول مداعبة كفها بأنامله ...و تعلو على وجهه نظرة حانية تحسبها نظرة أب لأبنته ...و كان هذا ترجمة لشعورها نحوه .إنها حقا تحب سماع صوته و لكن لا تدرى فيما يتحدث ...يحدثها كثيرا عن الماضى بينما هى تفكر فى المستقبل و تمتلكها أفكار متحررة و جرئية ...تقيدها سلاسل التقاليد و التربية الخاشنة وكأن الوالدين هما من يقف لها بالمرصاد ؛حتى و إن كانت تملك عقلها و أفكارها فإن نظرات والدايها و شقيقها لا تفارق مخايلتها و يظل يتردد فى ذهنها جمل سلبية :
|أنتى ضعيفة لا تجرئى على أخذ قرار ." كان هذا حلما بل كابوسا طويلا تتمنى نهايته و الخلاص منه .فمن يملك خلاصها .

قبل أن ينتهى يومها طلبت مقابلته فى الغد و صارحته بأنها غير مستعدة للزواج و أنها تحبه حقا و تعودت عليه لكنها تخشى فكرة الزواج ..و هنا يعتبرها الرجل الشرقى إهانة و أنها ترفضه بشكل مخفف حتى لا تجرحه ...و إعتبرها هو خيانة و ظل يضيق عليها و يسألها من ذلك الذى تنتظره و أنه يريد أن يعرفه ... صراخ ...صراخ فى أركان البيت ...الاب و الام و الشقيق يندبون حظ الابنة العسر و أنه لابد و أن يكون مساً من الجنون أو أصابتها عين الحسد ..لكنها تظل صامدة و مصممة على قرارها لن تتزوج به ...و تصرخ فى كل من حولها :
نعم لن أتزوجه ...نعم أنا من يقرر ...أقرر ما أشاء ..أنا أقرر ماذا أكل ؛هل أتناول الغذاء فى البيت أم وحدى فى أى مكان ...أنا من يقول هل سأتزوج أم أظل عزباء ...أنا أحق بنفسى من كل هؤلاء ...

تمت
Sunday, October 5, 2008