الاثنين، 19 أبريل 2010

مذكرات متمردة



-1-

اليوم مميز بالنسبة لى عزة تحمل الثوب و تضعه أمامى ...والداتى تحمل "صينية " عليها أشهى الحلويات و المحببة إلى ...تقترب منى و تتفحص وجهى ...

أمى : أيه ده أنت ناوية تقابلى العريس كده؟
آسيل : مالى يا ماما ..فى حاجة مش مظبوطة فى شكلى ...
أمى : ده مش شكل عروسة ..البنت لازم تتزوق كده و تبقى على " سنجة عشرة"
آسيل : يا سلام ..والله هو ده شكلى ...انا هحس انى مخنوقة لو عملت حاجة مش على طبيعتى
أمى : يا بنتى متحرجنيش ...الناس جيه تشوفك أول مرة ..الانطباعات ...يقولوا ايه ..بنت هناء قبلتنا و هى مبهدله
آسيل : لا يا ماما ..أنا مش عاوزة أكون زى العروسة الحلاوة .."فوشة هنا و فوشة هنا "...
عزة : (تتدخل بكل دبلوماسية ) سيبيها يا ماما أنا هقنعها ...

عزة هى زوجة أخى الذى يصغرنى ب 3 أعوام ..زوجة محبوبة من أخى و محببة لوالدتى و صديقة لى . تردد عزة مزاعم والدتى لابد و أن أستقبل " عريس الغفلة " و الابتسامة لا تغادر وجهى ، لا داعى لفتح مواضيع لى رأى فيها مختلف ..أو أى أفكار تشذ عن " القطيع"؛ تحاملت على نفسى و أحتملت ما أسميه " النصايح العشرة " ... أرتديت الثوب و أعدت نفسى لإستقبال زوج المستقبل ببشاشة ..و يدور برأسى عدد من التسأولات ...سرحت و نظرت إلى صورتى فى المرآة كمن تجهز نفسها لتجربة أداء أمام جمهور غفير...
" أسأله فى إيه ..هتكلم عن ايه ...لو محصلش القبول اللى عوزينه أخلع ازاى ...هو أنا متوترة كده ليه ...للمرة الألف بسأل نفس الأسئلة و كأنى متعلمتش ...أنا زهقت من تكرار نفس الأسئلة و نفس النتيجة و نفس السيناريو ..."

أخذت شهيق ممتد إلى أخر ما أستوعبته رائتيا من الهواء ، و رددت الثقة ...الثقة.حان الموعدنا مع المجهول ؛ مع جرس الباب سمعت قرع داخل قلبى كمن ينذر بقدوم موكب إما نباء عظيم أو إعلان عن غزو لابد من الدفاع بإستماتة ...بعد إستضافته و الترحيب به فى غرفة " الصالون " دفعتنى والدتى لتقديم الحلوى و المشروبات للغريب و الجلوس معه حتى "أملى عينى من روية طالعته البهية ".

أما هو فكان شاب خمرى البشرة مستقيم القوام تتميز عيناه بالحدة و العند جبهته عريضة تحمل كبرياء أبناء الصعيد . تبداء والدتى الحوار و ترحب به و تسأل عن حال والدته و أنظر لها كمن أحتبس الحديث على لسانه فنسى الكلام ، ثم أخرجنى من صمتى فجأة حين بادرنى بالسؤال

أكرم : حضرتك بتشتغلى ؟
آسيل : بشتغل مدرسة لغة عربية ...
أكرم : ماشاء الله ...بس التدريس مهنة متعبة قد مهو ممتع ..مش كده ؟
آسيل : يجوز متعب بس أفضل من الفراغ و الدماغ الفاضية ...أقصد أنى بلاقى نفسى فى الشغل علشان بشغل وقتى فى حاجة مفيدة ...
أكرم : لكن مفكرتيش لو أتجوزتى هتقعدى ولا هتشتغلى ؟
آسيل : لا مفكرتش ...أنت معترض على شغل الست ؟ ( تبرق عينى بلمعة و كأنى لقيت حجة )
أكرم : أفضل زوجتى تركز مجهودها فى البيت ...البيت مسؤلية على الست ...و السعى وراء الرزق مسؤلية الراجل .
آسيل : تمام ..بس انا أفضل إنى اشتغل عن القعدة فى البيت -تتنحنح ماما كمن تريد تصحيح كلامى ...و كأنها تقول" أسيل هطفشى العريس"
استأنف كلامى " القعدة فى البيت ممكن هتصيب البنت بالعطب ...".
يقاطعنى بلغة سخرية " عفوا يا استاذة ...لكن هتجنبها مواقف لا تليق بزوجة أو أم "
آسيل : البنت المحترمة ميتخافش عليها ..والدى علمنى و ربانى كده .
أكرم : و نعم التربية ...أستاذ وليد رجل محترم و أب واعى .
و الدى: ( بإبتسامة لإستحسان الإطراء ) و أنت ابن أصل و أخلاق عالية و ده أهم شئ فى الراجل ...

يبتسم أكرم و لاول مرة أرى أبتسامتة الواسعة التى جائت نتيجة إطراء والدى له ...و فى رأسى أتسأل:
ما الذى يجعلك تضحك و تترك عبأة الصرامة تلك ...؟
و جهت إليه سؤال تعجب إنى سألته ..." هل أرتبطت من قبل يا أكرم ؟"
أما أكرم فتغير لونه و بحلقت الأعين فى و لكنى أنتظرت الإجابة و لم التفت للنظرات أو ردات الأفعال خاصة محمود أخى ...
أكرم : أسيل ..من حققك تسألى أى سؤال و أجوبك ..أيوة خطبت من قبل و مكنش فيه نصيب ... و السبب عدم التفاهم و الثقة .
لما سمعته تقهقر صوتى داخل حلقى و أحسست بالغصة " هل كنت فجة فى طريقتى معه ؟؟؟"

أنقضت الجلسة ... أنقضى الوقت و لم أصل لنتيجة بعد ..لا أملك التسرع فى الحكم ولا أملك الرفض ... كيف أواجه والدتى و أتهامتها لى بأننى " أطفش العرسان " ... أو كيف أرد عليها حين تقول لن يصبح لى أحد لو توفت هى و أبى و" أن بعد الاب و الام الكل ينصرف لحاله" ؛ صحيح لأخى حياته الخاصة و لن أحمله عبأ حمايتى ...أدفس جسدى فى الفراش حتى أفوت فرصة الحديث عن العريس الليلة حتى أكون جاهزة غدا ...لكن أفقت على صوت أمى تقول أن أكرم طلب من والدى مقابلتى وحدنا فى أحد النوادى القريبة ... و سألتنى عن رأى ، رفعت رأسى مسرعة و أجبت بالإيجاب ؛ ضحكت و لسان حالها يقول " عجبها العريس" مستبشرة بالموافقة على مقابلته ثانيا دون الضغط على - كما سبق و فعلت مرات عديدة ؛ لقد وفرت عليها " المنهدة " و أستجبت لإلحاحها دون المرور بما سبق ...

Friday,25 September 2009

-2-

الجو حار خانق إنها الثالثة و نصف ظهرا . السيارات تسير ببطء وسط المدينة . أنظر إلى الساعة و أنا أشفق على الوقت الذى يمر بسرعة بينما نحن نختنق ببطء بعوادم السيارات و الزحام . وصلت أخيرا إلى البيت أدير مفتاحى فى "الكالون" كمن تدير عجلة الزمن فيتوقف عند نفس اللحظة ؛ فى البيت تمر الأحداث متسارعة ربما لأنى أعرف بالضبط " السيناريو" لما سيحدث كمسرحية هزلية من فصل واحد يؤدى أبطالها المشاهد كل يوم فأصبح روتين يومى اسمه أيام الإسبوع ؛ هذا ما يدعونى دوما لأخذ منعطف اللاواقعية كما يسمونها أفراد أسرتى .

يهاتفنى محمود حتى يذكرنى بالموعد الذى سبق تحديده مع أكرم ؛ تذاكيت و تظاهرت بنسيان الموضوع - فى الحقيقة كيف أنسى مثل هذا الموعد ، لم أريده أن يسئ الظن بى و يستبشر قبل أن أعطى قرارا حاسما . رغم أنى قاربت عتابات الثلاثين من العمر إلا أنى مازلت طفلة تعشق الرويات الخيالية مثل السيندريلا و الشاطر حسن و مثيلتها ، حتى أنى يومها بعد محادثتى لأخى وقفت أنظر إلى صورتى فى المرآة كمن تحدث نفسها ( مريتى قوليلى يا مريتى مين أحلى منى ..و غنيت "هذة ليلتى" لام كلثوم ). وضعت أحمر الشفاه و أردت مفجأته بالتغير، بل وددت أن أثبت لنفسى أنى قادرة على التغير . صعدت إلى سيارتى التى أعتنى بها جيدا فهى جزء منى أو طفلتى و كم أعشق تلك السيارة الصغيرة . أستشعر الغربة فأنظر لصورتى فى مرآة السيارة على غير عادة أتفحص ملامحى ,.."هل هذة السيدة حقا أنا من تغير مسارها أم أنها فقط روح المغامرة و التغير .. لا أدرى "

و صلت إلى النادى و بدأت تقل خطواتى حتى تتسم بالوقار المصطنع تخفى اللهفة لما سيحدث بيننا ؛ كنت أتسأل "عندما يسألنى أكرم عن نفسى هل أجيب بوجهى الحقيقى أم بوجه تلك السيدة التى لا أعرفها ..هل سيتقبل طفولتى لو عرف أمرها "..
أنكمش بدنى و تقلصت ابتسامتى بعد أن لمحته من بعد ، لم يبتسم لكنه أخذ يلوح بيده داعيا إياى للجلوس ليس على " تربيزات الكافيتريا " و لكن نجلس قرب ملعب التنس .

أكرم كان يرتدى زى غير رسمى و يتحدث بطلاقة و أخذ يسأل عن حالى .أستغرقت ثلاث ثوانى حتى أجيبه و أبادله التحية ...

أكرم : أنا جيت بدرى ولا أنتى اللى أتأخرتى ..؟
آسيل : لا أنا أتعودت أجئ فى ميعادى بالظبط لا بدرى ولا متأخر ..
أكرم : دقيقة فى مواعيدك يعنى .
آسيل : التأخير بيزعجنى جدا و بحس بتوتر لو جيت عن ميعادى بدرى .
أكرم : أنا ديما بكون فى ميعادى أو بدرى كمان ...
آسيل : أكرم ..(أصمت لبرهة ) أنا سعيدة إنى قابلتك انهاردة ..
أكرم: (على وجه تكسو ابتسامة عريضة كمن فاز فى البطولة ) أنا أسعد .
آسيل : أنا سعيدة أن الجو جميل أنهاردة و أول مرة أقعد قريب من ملعب التنس و أحس أن المكان ممتع من هنا ..
أكرم : ( كمن أبتلع فرحته ) و أنا سعيد أنك سعيدة ..

نظرت إليه و ألتقت نظرتنا لنصف دقيقة دون كلام ، لم يقل لى أحد مثل تلك العبارة و ليس بهذة الطريقة . أستعدت رشدى بعدها حين صرخ أحد لعبى كرة التنس معلنا الخسارة أمام خصمه ...

آسيل: أكيد كان عندك أحلام و طموحات ياترى حققتها ولا لسة ؟
أكرم : الحمد لله أنا دلوقتى مشرف فى وحدة إنتاج لشركة لها سمعة تقيلة فى مجال النشر و الطباعة . أنا معتمدتش على حد يا آسيل فى حياتى أشتغلت ليل و نهار و ضحيت كتير ببعض أحلامى ..
آسيل : أنت إنسان جميل جدا ..و إن شاء الله ربنا هيوفقك .
أكرم : شكرا على مجاملتك ...أنتى مبسوطة فى شغلك ؟
آسيل : الحمد لله مبسوطة لأنه بيشغل وقتى و بتعامل مع الأطفال ..متتصورش أنا بحب الأطفال قد إيه ..
أكرم : إن شاء الله يبقى عندنا أولاد حلوين كده شبهك ..أنتى جميلة أوى يا آسيل.
آسيل : ( تحمر وجنتاى ) شكرا ، بلاش المجاملات دى علشان متحرجنيش .
أكرم : بس أنتى شكلك حلو لما بتنحرجى ... آسيل أيه رأيك فى الجواز من غير قصة حب ؟
آسيل : سؤالك غريب جدا ، بس الاول ايه هو الحب .. الحب بالنسبة لى زى أرض زراعية ممكن تزرع فيها و تطرح و تزهر و ممكن تجف و تبور " الرك على الفلاح" . الحب هو الحبيب اللى تكمل به شخصيتك أنت بتحب الجزء الناقص منك و اللى هيكملك . بس دى نظرة رومنتيكية مش دايما بتكون صحيحة . الحياة ممكن تكون مستقرة بقليل من الحب والكثيرمن التفاهم والاحترام لكن عمرها متستمر من غير الاحترام و التفاهم و الاخلاص حتى لو كان عشق مش حب بس و دايما بقول إن البنت بتحب الشخص اللى بتحس معاه بالامان.
أكرم : أنتى عرفة إنى كنت خاطب قبل كده بس أنا عرفت من محمود إنك كنتى مخطوبة (يصمت و ينتظر إجابة لعلها بالنفى دون الايجاب ).
آسيل : ( أومئت برأسى ) محصلش نصيب .
أكرم : كل شئ قسمة و نصيب .
آسيل : معتقدش أن التفاصيل لها أهمية لأنها ماضى و ملهاش أثر ...
أكرم : أنتى كدابة .. أنا آسف بس أنتى باين عليكى الكدب ..
آسيل : أكرم ... مسمحلكش ... لو سمحت بلاش طريقة الكلام دى ...
أكرم : آسيل... إسمحيلى أكلمك بصراحة لأنى بحترمك و أعتبريه حوار إستثنائى .
آسيل : ( بدى على ملامحى الإهتمام ) أتفضل و أنا بحب الصراحة ديما .
أكرم : أى تجربة إنسانية بتعلم فى أى إنسان ومش عيب يعترف علشان يتفادى نفس المواقف .
آسيل: ( اتسعت عينى ) صعب إنك تعترف بده للإنسان اللى هيكون شريك حياتك .. ديما الجراح القديمة بنغطيها علشان نتفادى مشاكل ممكن نقابلها فى حياتنا الجديدة ...
أكرم : أنا مش عاوز أغطى أى حاجة بالعكس عاوز كل شئ يكون واضح قدامك ...
آسيل : قد ما كلامك فعلا إستثنائى و حسة بالسعادة لأنك بتقوله بس أفضل أن أى شئ فى الماضى يكون إنتهى بالنسبة ليك و كون متأكد إن الماضى بالنسبة لى إنتهى حتى من قبل ما نتقابل ...

مر الوقت علينا لم أدرى كيف مضى لكنى لم أكن أريد أن تنتهى لحظة سعادتى الاولى فى لقائه . نبتت براعم الفرح غطت أرض القلق .و حقا شعرت بالفرحة لوجوده معى و لدخوله حياتى فى هذا الوقت .عدت إلى بيتى أتغنى بالفرحة و الضحكة لا تغادرنى . تحررت الطفلة بداخلى .. أعترف هذة المرة بالسعادة ، لم أتضايق هذة المرة من أسئلة والدتى المتكررة حول ماذا حدث و ماذا قال أكرم ؛ جاوبتها بإستسلام و هذا ما أدهشها قالت فى نبرة تعجب و فرحة مكتومة "إتجننتى به للدرجة دى ؟"
لا أدرى حقا هل أصابنى أكرم بالجنون ... أم طيف الأحلام بالعيش معاه و فى كنف حبه ؟
شخص مثله حين يحب لا يكره ولا يخون ... أحلم بسعادتى معه .

Wednesday,30 September 2009