الجمعة، 12 مارس 2010

آدم و حواء



حــــــ آدم ــــــواء
________

بعد عناء عام كامل أقضيه - و أنا الكاتبة الأصغر فى أتحاد الكتاب المصرين - أهرع للسفر إلى مدينتى :مدينة الاسكندرية . هوائها يشكل جزء كبير من أبداعى القصصى و الروائى . حين أترك سيارتى فى المكان المخصص للركن أعلى كوبرى أستانلى أنبهر بإتساع سطح البحر و لكم أود أن أصير جزء منه ، أسمع الموجة تلطم الاخرة حتى لا تسبقها و أشعر بأندمجهما و تلاشيهما على الشاطئ. هذة المرة فضلت أن أستقل القطار فقد مللت قيادة سيارتى على الطريق الزراعى الذى أفضله دوما عن الطريق الصحراوى . كانت هذة المرة مختلفة بالنسبة لى فكنت أبحث عن التجديد و التغيير ربما كنت أود أن أتمتع بروح المغامرة و أرجع لسن العشرين ، و لكن ها أنا فى الخامسة و الثلاثين ولا أفكر سوى فى كتابتى و حياتى و حياة من أحبهم ...لكنى أحتاج الان لبعض التحررمن قيودى تلك أو لعل الاسم المقبول لها مسؤلياتى ...

وصلت لمحطة مصر فى وقت متأخر بالنسبة لى لكنى لحقت القطار قبل دقائق و قد بداء الان بالتحرك و مازلت أبحث عن المقعد المخصص لى ،وجدته بمساعدة المختص و جسلت إلى جوار زوجان ، كل منهما منشغل بتفحص بعض البطاقات و أسمع ضحكات خافتة ...تنظر إلى المرأة و كأنها تراقبنى هل أتابعهما أم أتجاهل تصرفاتهما و للحق كنت أتابعهما و كيف لا و أنا مشهورة بالفضول الذى يدفعنى إلى خلط الشخصيات الواقعية بحياة لا واقعية فى بعض كتاباتى .و ينظر إليها الزوج ثم يستدر لى و كأنه يتابع هل تظن أنى معجبة به و لعل ذلك ما جعلنى أبتسم فى وجهه لمجرد الفكرة و ليس لأستشيطها غيظا ؛هكذا بعض النساء تحب أن تثير غيرة الاخرى لتقع فريسة سهلة للغيرة و الشك لكنه تصرف بذكاء و عرفانى بنفسهما : آدم و حواء.

آدم و حواء هما أبطال لبعض العروض على خشبة المسرح التجريدى و لهما عدة عروض منها ألف ليلة وليلة ، رقص العنكبوت و ألوان الربيع...و أخريات من الروائع الكلاسيكية. كان بالفعل ثنائى مميز فنيا ، وعلى الصعيد الشخصى كانت تربطها علاقة شخصية قوية .؛كانا مؤمنان بالفن التجريدى و يرانه هروب من الواقعية الملموسة للدخول إلى واقعية عقلية أكثر وعورة وأكثر تمحيصاً للمفاهيم الفلسفية للوجود،
سرعان ما بدأت أعرفهما بنفسى . أخذا حدثانى عن زيارتهما لمصر و كيف أن فنهما إعتلى مسرح الطائف بالمغرب و لقى حفاوة و أعجب الجمهور ، لذا قاما بزيارة منسقة مع المركز الثقافى المغربى ووزارة الثقافة المصرية حيث سيعرضا مقطتفات من عدة مسرحيات لهما و ذلك داخل حديقة مكتبة الاسكندرية . هنأتهما على النجاح و تمنيت لهم التوفيق . نظرت حواء لآدم فأومى برأسه فوجدتها تخرج بطاقة دعوة للحفل تهدينى إيها . شكرتها كثيرا و قلت أنى لن أفوت مثل تلك التجربة الجديدة ...

سعدت حواء كثيرا بحديثنا حول سيكولوجية الرجل الشرقى و ظل آدم يبتسم من حين لاخر رغم أن له رأى مخالف لنا فيما إتفقنا نحن النسوة ثم وجه آدم حديثه إلى زوجته و إستدار إلى "ما رأيك أن تأتى قبل الحفل و ترى الترتيبات ...ستسعدنا حقا زيارتك "
ظهرت إبتسامتى الطفولية التى غطتها خطوط العمر الدقيقة و أبديت قبولى للعرض و أنى سأكون حاضرة . و ها قد و صلنا سريعا إلى الاسكندرية فودعتهما بحرارة و تبادلنا أرقام الهواتف ...

و ها قد عادت نفسى القديمة التى أستبدلتها منذ زمن بأخرى لا تعرف المرح و لا يشغل بالها سوى العمل و النجاح ...أخذت حقيبتى الصغيرة و فيما أمر بأحدى محال الملابس تخيرت لتلك المناسبة الفريدة ثوبا أظنه يلائمنى ؛ سارعت للمشى فى شوارع الاسكندرية بعضها جميل و مزخرف بنقوش قديمة و لكنها شوارع ضيقة لا تلاقى نفس الاهتمام بالشوارع الكبرى القريبة من الكورنيش و المناطق التى تمتلئ بالمصيفين ، لكننا فى الشتاء و ها هى الشوارع مكسوة بقطرات الامطار على الجدران و أرى السيدات تنتزع الملابس عن الاحبال ،و لكنى لا أجرى فأعود إلى منزل صباى : ذلك المنزل العتيق الذى و رثنه أنا و أخواتى عن جدنا و منه بعده والدانا -رحمهما الله. حين وصلت أعتاب البيت و رأيت الاقفال الموصدة ، أحسست و كأنها حالتى حين أغادر هذا المكان و هذة المدينة لم أنسى بالتأكيد شراء بعض أحتياجاتى للإقامة و بدأت بهمة تنظيف المكان و فتح النوافذ رغم برودة الجو .فى المساء هاتفت أخواتى و أطمئنيت عليهن و على أسرهن ، و عدت بذكرياتى لحياتى و لهوى ، فتذكرت الفتايات و شقواتهن و كيف كنا (أسكندرنيات على حق) و أنها الفترة الاجمل فى حياتى بأسرها ... ذلك قبل أن تنتقل أسرتى لحيث يعمل والدى فى المدنية الصاخبة . أشفقت على نفسى من الوحدة فنزلت أستنشق الهواء . قادتنى قدماى إلى المترو القديم و ركبته و نزلت عند الانفوشى و حلقة السمك التى تعلن عن جو الاسكندرية الآخاذ، عن يسارى أجد مراكب الصيد بعضها هالك و لا ينفع و القليل منها يستخدمه الصيادون طلبا للرزق ...أسرعت خطاى حتى زورت متحف البرمائيات و لان الوقت كان متأخرا غُلقت أبواب القلعة فلم أدخلها و أكتفيت بمشاهدة البحر من على صخرة عالية قليلا بعد أن أحاط السياج منطقة المصادات القديمة . حين كنت أتى إلى الاسكندرية و عمرى عشرين عام أو أكبر بقليل كنت أقفز على تلك المصدات و أسمع الحارس ينادى بأعلى صوته - أرجعى ممنوع - لكنى أعتادت أن أرفض الإنقياد و أظل واقفة تداعبنى النسمات و أتحدى البحر و اقفة حيث لا تطلنى الامواج...

و بعد يوم لا أكثر حان ميعادى مع حواء و آدم ، أرتديت الثوب و كأنه ثوب العيد الذى يشتريه لى والدى و حقا كنت خائفة أن يحدث شيئا فلا أظهر بكامل رونقى و جدتنى أتخير ثوبا كالفراشة ــ فألوان الفراشة تذهلنى ــ و أرتديت معطفى فوقه. أستوقفت سيارة أجرة لأصل إلى المكتبة . و ذهبت فوجدت الامن يسمح لى بدخول و أردكت أن الزوجان صديقاى قد أعلما الامن بدعوتهما لى حتى لا أواجه أى عراقيل فى الدخول حيث ترى الوجه بدون زينة خلف الستائر الحمراء ، أرى كثير من المريا مشهد يشبه خلايا النحل . أستعلمت عن مكان وجود الزوجان فأرشدتنى إليهما إحدى العاملات، أستقبلانى بكل ترحيب و حب ...و أحببت ذلك الشعور كثيرا و تمنيت لهما التوفيق وأنى أفضل مشاهدتهما من خلف الكواليس و ليس حيث يشاهدهم الحضور. لم يمانعا بل حبذا الفكرة ؛ و جدتنى لست الوحيدة التى تشاهد العرض من الكواليس و أنما العاملين و كل من ساهم فى العرض خوفا من حدوث أى مشكلة و كذلك لانه حقا ممتع لا تنظر بسطحية المشاهد و أنما تقدر الجهد المبذول فلا تنسى أنهما كيانان حيان لهما حياتهما و يقوما بما يمتع المشاهد ...لكن على الكرسى أنت فقط تشاهد لا تفكر سوى بما تشاهده ربما المشهد و ربما ملابس البطل و البطلة إلى أخره ...


بداء العرض و كان ضوئيا و صوتيا و حركيا و كلها تحدث عالما خياليا لكل منا طريقة لفهمه و إدراكه ...

الاضاءة تسلط أشعتها على أجسادهما التى تتحرك فى تناغم إيحائى لتمثيل أحد مشاهد مسرحيتهما "رقص العنكبوت"...
البداية: يأتى آدم و ذراعيه مضمومتان إلى صدره و حين يقترب من حواء يبسط زراعيه فينفتحان و كأن زهرة ما قد فتحت أورقها للندى،و ها هى حواء تحوم حول آدم كى تتأكد أنه هو الذكر المرغوب ، لقد جذبها إليه و ها هى ترى استعراضا لقوته أمام خيوطها فتمسك طرف الخيط جيدا و تدور حوله فى خطى بطيئة و كلما إقتربت تظاهر العنكبوت بالآلم وإلى أن لا يفرق بينهما سوى خطوة واحدة فيسقط أمامها صريعا فتقترب فى لهفة فتجده متظاهرا بالموت حتى يفجأها بهدية الزواج فى فمه. و بعدها تصبح العنكبوتة أسيرة هذا العنكبوت ، و بعدها بلحظات من الزهو ينطلق خارجا من نسيجها قافذا خوفا من أن تناله فلا ينجى بحياته من إفتراسها ....

يصفق الحضور لبراعة أداء البطلان و اندماجهما فى العرض ينحنياء أمام التصفيق تحية للحضور ...
تقفل الستائر الحمراء على هذا المشهد و يستعدا النجمان لمشهد أخر لم أرد أن أقطع تركيزهما فى العمل لان وقتهما محسوبا جيدا ، سأجعل الاعجاب و التهنئة بعد أنتهاء العرض ...

تعلو وجه آدم تعابير الصرامة و الجلد و يتحرك برشاقة و بإستقامة الجندى و هو ممسك بفتاة تعرفها من سيماها بالتمرد و ها هو يقرب كفه من شعرها الاشعث، ثم هى تبعد رأسها عنه ، فيلحقها بصفعة على وجهها ... فتزيد عنادا . و تلين حين تراه يأتى لها بكوب الماء فيروى ظمأها ، هنا يرفع رأسها كى يرى عينها التى تشع تحدى و قوة و كيف أنها تؤسر الجنود جميعا و هم يلهثو حتى تنظر لهم . تقف كارمن وهى مطمئنة أنه لن يأذيها . فقد سُحر بجمالها و ظلت تقترب أكثر فأكثر حتى دنت منه و هنا سمع صوت رأيسه يعلو صوته بالنداء "خوسيه..نافار أين أنت أيها الابله؟!" . تمسك كارمن فى ساقه فتستميله بنظرتها فيقول سأعود لكى و بعدها يتصدر آدم الساحة و حواء خلفه ،من ثم يعرضا كيف قام خوسيه بتهريب كارمن الغجرية و غرامه الابدى فى قلبه رغم قوته و صرامته إلا إنه ضعيف امامها وهى لا تقبل الضعف . و يجسو على قدمه يرجوها الزواج فهى لن تكون لغيره وهى تقول انا ملك نفسى لست ملكك و لست ملك لأى رجل ، فيتوسلها ثانية" كونى لى يا كارمن" . فتبعده عنها و تتركه وراءها ، فيطلب منها قبلة الوداع فتعود نحوه منتصرة ترى الضحية وهويتوسل الدواء ، و حين تلتصق به يفاجئها بطعنة فى قلبها يردد "حتى أطهر قلبك من الذنوب الحب "...

هك كان المشهد الختامى لمسرحيتهما كارمن التى ألفها الفرنسى بروسبير ميريميه،تُغلق الستائر مرة أخرى على فصل من فصول حياة آدم وحواء معا و لكن سرعان ما يلحقها المشهد الاخير ...

يخرج آدم و يتوسط المسرح و تتبعه حلقة من الضواء و تستقر عليه و كأنه يشكو من جرح غائر فى القلب ، بعد أن مد يديه إلى السماء قبضها ثانية ،و أدار ظهره إلى الجمهور و يرفع يده مره أخرى ؛ تخرج الراقصات تلتف من حوله و يرقصن رقصة الالم ، ثم تسقط الواحدة تلو الاخرى . تخرج حواء و تمشى بخط منحنى بين أجساد النسوة الممدة على المسرح ، ثم تقف امامه فى ثبات و تمد زراعها حتى تلامس كتفه ،و يميلا رأسهما معا ، ثم يمد يده و يضعها موضع كفها و يمسك بها و يلقيها إلى الارض بشموخ ذكورى يحمل لغو الانتقام . تميل حواء و تلتف أمامه فيشفق عليها و يتركها ، فتبتعد مسرعة خارج دائرة الموت و تدور فى دائرة أوسع ثم تقف و تجرى نحوه بسرعة ، فتتلقفها زراعيه و يحتضنها و تتسع حلقة الضواء من حولهما فتقوم الراقصات و تلف شرائط حول شهريار من ثم بعد أن تحكم قبضتها عليه و يجثو على ركبتيه يقوم و يقف و يبسط زراعيه للسماء فتدور الراقصات فى الاتجاه المعاكس و تنفرج من حوله العقد ... و يتحرر أخيرا و يعود لأحضان حواء .

كان هذا هو المشهد الختامى لما قدمه الزوجان بحديقة مكتبة الاسكندرية الكل يصفق من خلف الكواليس و الحضور و ينحنى النجمان للحضور تحية وكلاهما ممسكا بيد الاخر ... و حين إسقبلتهما لكم بلغت بهما السعادة بما حققاه من نجاح فى هذا اليوم ...و أنا أيضا سعيدة ليس لانى شاهدت عرضا بديعا راقيا و أنٍما لانى أحسست بمعنى جديدا للحياة ...فرحت كثيرا بعلاقتهما معا و فرحتهما المقسمة بينهما . قلت هكذا أنت آدم و كذلك أنتى حواء ...

تمت
Friday, November 21, 2008

الأربعاء، 10 مارس 2010

لوحة الفنان الكاملة


لوحة الفنان الكاملة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تبداء الحكاية حين إلتقت حنان الشابة بعاصم الرسام الموهوب .أما حنان فهى عاشقة للفن ،مرحة، و منطلقة و محبة للحياة ..لم تكن جميلة ...فجمالها لا تقدره إلا أعين فنان ..رموشها السوداء الطويلة الكثيفة تخطف الانظار إلي عينها ..فكانت عينيها حقا فاتنة ،رغم أنها لم تكن جميلة إذا ما قارنتها بالأخريات ...إلتقت بعاصم صدفة فى حفلة أقامها أحد أصدقاء عمها مختار ،الصحفى بجريدة الحرة . وكان تعارفا عابرا أوله نظرة إعجاب بفن و لوحات هذا الفنان المخضرم عاصم .كانت لوحاته ذات طابع فريد الضعف من وراءه قوة ...و من وراء الجمال قبح ، كان فيلسوفا بحق ..تجاذبا هما الإثنان أطراف الحديث و هم هو بعد ذلك بالإنصراف ... أما هى فكانت تفكر فيه و هو الرجل الرزين العاقل الذى لا يشغله عن حبه لعمله و حياته إلا قلة قليلة من الأصدقاء . أما هى فكانت حياتها نشطة مليئة بالأصدقاء و الصديقات و السفر و الندوات .حنان طموحة و واعية، بعد الحفل أرادت بشدة أن تحصل على عنوان عاصم و رقمه، وتمكنت بالفعل من ذللك ...نعم هذا ما أرادت ...قضت ليلتها و هى تضغط علىأزرار الهاتف من ثم تتراجع ...فتسأل نفسها "ما سبب تلك المكالمة؟ و لما أريد محادثته ؟ " هناك فرق كبير بين حياتهما ، لكنه أغراها بكلماته القليلة و سحر إبتسامته الواسعة ..أغراها بفنه و رقته ...
لو أن حواء أخرجت آدم من جنته ، فها هو آبن آدم يخرج حواء من جنة راحة بالها ..

يمر إسبوعا كاملا على هذا الحدث ..تظل مشغولة الفكر ، تفكر فى رؤيته ...تمر من أمام ورشته الفنية و كيف كانت مكتظة يومها بالزائرين ...لقد كان يوم ميلاده و أتى بعض طالبته الأوفياء ليحتفلوا به ..لقد عمل فترة بالتدريس فى كلية فنون جميلة ..و ها هى تقدمت تلقى عليه التحية معللة سبب زيارتها أنها كانت قريبة و أرادت إلقاء التحية ... فدعها للبقاء ...و جدته إنسان بسيط مع طالبته يقدم لهم أكواب الشاى بالحليب و كيف يكره القهوة ...و تسمع الضحكات العالية تعلن عن المرح و سعادة فى القلب .. يمر الوقت سريعا فتجد نفسها تستأذنة للإنصرف ..و تتنمنى له حياة سعيدة مديدة ...لكنه يظل يردد "لا إنتظرى ..سأركى شيئا "...ثم أدخلها غرفة حيث أعماله التى لم تكتمل بعد ..لا يزال يعمل عليها ،كانت حوالى ثلاث لوحات ..
تتوجه إليه : كيف تترك مثل تلك الوحات الرائعة دون أن تنهيها...
فيرد قالا: لكل منهم قصة معى ...و يصمت.
فتسأله حنان "و ما حكايتهن " ... يجيبها عاصم"هذا ما سأقوله لكى فى المرة القادمة ..هلا تعاودى زيارتى مرة أخرى لقد سعدت حقا برؤيتك اليوم "...يتزلزل كيانها لتلك الكلمات الرقيقة ، وكان نظرها مصوب نحو مخارج الحروف حتى تختزن ذاكرتها كيف ينطق الكلمات .. ثم ودعته و خرجت متجهة إلى سيارتها .. وتردد بصوت مسموع للمارة ووجهها تعلو فوقه البسمة و كأن الفريق الوطنى سجل هدفا.."قد قالها ...كاد أن يقولها .. إنه يريدنى ..يريد أن يرانى "

فى المساء جفا عينها النوم ، ظلت تفكر فى عاصم و كيف كان يومها معه ...تنطلق إلى الهاتف و تضغط بخفة على الأزرار فيرن الهاتف و لكنه لم يجيب ... لكن تسمع صوته الحنون العذب .." أنا عاصم ..أسف لست متواجد ..أتركوا رسالتكم و سأرد بعد عودتى "
تغلق الهاتف بعد أن تملكها صوته ..و ظلت تحلم به و لا يشغها سوى صورته ...فلا تقوى على النوم دون أن تطمئن على عودته سالما ...و للمرة الاخيرة تمد يدها نحو الهاتف و لكنه يرن فتلتقط السماعة على عجلة متمنية أن يكون المتصل هو عاصم ... كان عمها مختار يطلب والدها فى أمر مهم ..و بلغها رسالة توصلها لوالدها ...و لكنها تنساها حينما تفرغ من المكالمة ... يرن الهاتف مرة أخرى ..و هنا قد فقدت الامل أن يكون هو ... ترفع السماعة و تقول ..مرحبا ..فيأتى صوته رادا عليها التحية ثم يقول "لقد هاتفنى هذا الرقم عدة مرات ..فمن المتصل ؟ "
تجيبه حنان "كيف حالك أنا حنان ..كنت أطمئن عليك و أشكرك على الشاى بالحليب ..هل أنت متفرغ غدا ..ما رأيك فى رحلة إلى الفيوم ؟ إنى ذاهبة غدا إلى الفيوم فهل تحب أن تأتى ؟"
أستحسن الفكرة و قال أنه عمل جاهدا طوال الاسبوع و يحتاج إلى الراحة ..فأكدت عليه الميعاد و كيف و أين سيلتقيان...و حيته و تمنت له ليلة طيبة ..

بعدها تذهب حنان إلى سريرها و تظل صورته مهيمنة على فكرها منشغلة بتفاصيل اللقاء ماذا تقول و كيف تتصرف ...و تستيقظ متفائلة فى الصباح ..و لما لا تكون وهى عازمة على مقابلته؟
بعد اللقاء وجدته متعب فقد سهر طيلة الليل على أحد أعماله لذا ألحت عليه بأن يستقل سيارتها ولا داعى أن يقود سيارته ..حتى يتمكن من النوم قليلا و يستمتع بباقى النهار ...اإستغرق عاصم فى النوم ..أما هى فظلت تراقب ملامح وجهه...و تشبه بالملاك النائم ..أما هو فلا يتقلب ولا يتحرك حتى أن أضواء النهار أو صوت الضوضاء لا يزعجه ...أنه منهك القوى ...قبل أن يصلا بقليل يستيقظ و يعتذر لأنه أستغرق فى النوم طويلا و أنه تركها للمل ..
تسترد إليه قائلة: هل تشعر بالجوع ..أنا أموت جوعا ...
قال عاصم : آه آسف ..سأنزل و أشترى لنا بعض الأشياء حتى نصل إلى الفيوم و نتناول الغداء...
ينزل عند أول محطة للبنزين ويدخل المتجر و يشترى عدة أشياء كان من ضمنها لبان بطعم النعناع ...فتترك حنان كل الاشياء و تنتزع اللبان بخفة يد،لكنه يمسك يدها و يقول "لا هذة لى خذى أنتى الاخرى بطعم الكرز"
و يتجادلان فتقول حنان من يمسكها أولا تكون له ...كأنهما طفلان يلعبان ..و تعلو ضحكات صبيانية ..و تعلن هى الاستسلام و يخرج هو منتصر..

يتركها تتحدث و هو منصت لها ..تحدثت إليه عن أهلها و حياتها و أحلامها و مشاعرها حتى مخاوفها ..و هو ينظر إلى عينها لا يحول نظره عنهما...ثم تدرك إنها تتحدث ولا تترك له مجال الحديث . فتعتذر عن سلوكها و أنها حمقاء .. فيهدئها بقوله إنه مستمتع بحديثها ... فما سيحكيه هو ليس إلا ماضيا ولى و إنتهى ...ساعتها تذكرت حنان الوحات الثلاث...و سألته عن سرهم ...
جاءت أجابته تنهيدة طويلة يشق بها جدار صمت السنين ثم يعتدل فى جلسته و يقول :
الصورة الاولى لزوجتى ناهد(يخرج صورتها من محفظته)كانت تملك الكثير من حسن الطلعة و توفت بعد عناء و صراع مع اللكيميا ،و أنى أفتقد حنانها ..هى الوحيدة التى أحببتها حبا خالصا طاهرا و ما خنتها يوما ...أما الثانية فهى لإحدى طالباتى التى نسجت خيوطها لتوقع بى فى شباكها حتى تزوجت بها عرفيا ..لكن زوجنا لم يستمر لصغر سنها و لأنانيتها و جشعها ...أما الثالثة فهى إبنة رجل بسيط هى فتاه تتميز بالبرأة و خفة الدم ...أشعر أمامها بأفتقادى لإحساس الابوة ...و أنى أحاول دعمها حتى تصير طبيبة ماهرة...
هذه هى اللوحات الثلاث التى لم تكتمل ...

ترد عليه حنان : أنت إنسان رقيق يا عاصم ..أسمح لى أتخلى عن الألقاب ..لم أكن أدرى أن السر وراء فنك هو تعبير مجسد لمشاعرك و حياتك ...و هنا تمتد إيدهما هما الاثنان معا نحو كوب الماء فتتلامس أيدهما فتخجل هى كثيرا و بأرتباك يظل عاصم يردد"أنا آسف ...آسف" ولا يوجد من جانبها تعليق و يمر الموقف فى هدوء...

فى طرق العودة يتحدث هو و يعبر عن سعادته و أمتنانه "إنى سعيد بالنزهة معكى ..لقد جاءت فى وقتها ..لم أشعر بسعادة مثل هذة منذ فترة طويلة ".
هنا توقف حنان السيارة جانبا و تترجل عنها و تطلب منه النزول حتى يشهدا غروب الشمس...فى تلك الأثناء يمتد بهما الحديث فيسر لها عن مشاعره الحبيسة و كيف أن جمالها لفت إنتباهه منذ أول مرة وقع نظره عليها و أنه ظل يتحرك حتى يراها من جميع الزوايا ..حتى إذا ما جاء عمها و عرف بعضهما إلى الأخر .. شعر بفرحة شاب فى العشرين يتحدث لأول مرة إلى الفتاه التى طالما كان معجبا بها ...ثم يتوقف عن الحديث و يقول " استمحيكى عذرا فأنا رجل أحمق كيف أفكر بمثل تلك الطريقة ..أنتى شابه جميلة و لكى مستقبل باهر فى شركة والدك ...و"
تقاطعه حنان قائلة " ما أدراك أنى سعيدة بكل هذا ..أنا لا أشعر بهذا مطلقا ...ليتنى كنت أشعر بألانطلاق كما أريد ..لا أريد السفر كثيرا لكنى أريد أن أكون آمنه أشعر بالاستقرار ...مللت العيش بتلك الطريقة.".
فيمسك عاصم بكفها و ينظر إليها " تتزوجينى " و يصمت لكنه لا يزال ممسكا بيدها لثوانى و يعيد علي مسامعها السؤال " تتزوجينى يا حنان؟"
و كأن الفرحة أضاعت الحروف من بين شفاها فلا تقوى على إنتزاع يدها من بين يديه لكن تنظر إلى الغروب ثم تنظر إليه و تقول " نعم"
و هو يضحك "هلا فكرتى مرة ثانية ...فلا تتراجعى عن قرارك"
و تبتسم و تجيبه " ألا تصدق ...نعم سأتزوجك ...لكن لابد و أن تكمل لوحتى أولا..."

تمت
Friday, November 14, 2008

كــائــن الــمــحــار




كائن المحار
ـــــــــــــــــــــ
كان يوما ...كان رحلة الى إحدى الشؤاطى ..حيث المياه البراقة و الرمال الصفراء ...النسيم يداعب الوجوه العابثة فى وجه مصاعب الحياة ... تنفرج الشفاة بالبسمة أمام خلق الله ... الطيور محلقة و الهواء يحرك الأمواج ...ياله من مشهد جميل يأخد الألباب المنهكة .. ينعش يقظة الانسان أمام قدرة الله..

تركت مقعدى و ذهبت حيث المياه التى إشتاق إليها الجسد و كأنها الحياة... فألقيت بنفسى فيها و كأن المياه تزيل عنى الآثام ...لم أدرك ماذا أسمع أهو أصواتهم أم هى همس الماء ..الشمس تاركة حرارتها على وجهى يشعرنى بوجودى فى الحياة ...ظللت هكذا وما أدرى عن الوقت شيئا...تمنيت أن تقف كل دقات الساعات ...و سبحت حتى الشاطئ ألقى الجسد الجديد إلى الرمال تحتويه ...و هنا أخذت الأنفاس تتصاعد و أقبل البعض يتسألون هل هناك خطب ما ؟
أكان حقا خطب أكنت عند خط الحياة ... إنى بخير الان ...أنا بأمان..

جلست حيث يفترض أن يكون مكانى ...ساكنة صامتة متأملة ...شريط الحياة لحظات لحظات ..أرى الاطفال يلعبون و يضحكون ...يقذف كل منهما الأخر بالرمال و هناك فتايات تبنى قلاع من الرمال ...فيقبل الفتية بعنفوان الشباب و يركلوها بقوة ...فلا يقوى البناء على الصمود ...ولا يبقى سواء أطلال ...هذى حياتى وحياة أخريات قلاع رمليه لا تقوى على دفع الامواج أو هزيمة الرياح ...

أشعر الان بالملل ..أمسك بالجريدة ..ما الاخبار لقد سأمت السياسة و أخبار الحروب و المفاوضات ... ألا يوجد فى الحياة سوى النزاع ...أحزاب تجادل أحزاب ...مشاحنات بين الابناء والاباء ..ألا يوجد شئ أخر فى هذة الحياة؟!
أقف عند عمود أنيس منصور لطالما أحببت البهجة التى اشعر بها حين أجد اسلوبه المتهكم ...

الان الشمس بدأت تشع بالدفء و الحرارة التى أشعر بها داخلى ...أقف على قدامى منتصبة ..كأنه نداء ألبيه...أتجه نحو أخر الشاطئ ولا أعلم ما أخره ...أرى زوجين فى الستين لايزالا متحابين...هربوا من ضوضاء المدينة الصخبة و جلس كل منهما ينال ونسته من رفيقه...أبتسم فى وجههما تحية لهما و كأنى أرى شابين عاشقين يتهامسا ... أره هو من بعيد شخصا دائما ما عرفت ملامحه ...إنه قريب منى ...و أنظر إلى عينه ..هامسة فى صمت ..ألا تعرفنى ؟ أما تتعرف على صوتى؟
و تتدافع بيننا النظرات و كأنها حديث ...و فجأة يغير أتجاه وجهه تجاه القادم نحوه من الإتجاه المقابل ...أنها ابنتى ...جاءت إليه تدعوه لينزل معها إلى الماء ...فلبى النداء و تركتى وراءه ورقة تنتظر أن تحملها الرياح ...

برهة و كنت أتراجع نحو مقعدى ...حتى لا تقلق على فتاتى الصغيرة ...أو أتاخر فيتسأل عن حالى هذا الغريب ..غريب كان بيننا يوما ميثاق غير مختوم ...إختفت بيننا تلك المشاعر و أصبح محلها الواجب المفروض ،و ها هو يأتى و كأنها المرة الاولى يضع كفه على كتفى ...و كأنه عناق ...نظرت له فى اشتياق هلا عدت الان ...رد قالا "لقد كنت دائما موجود ..لكنك لم تلاحظنى لقد غفلتى و قد حان ميعاد الرحيل" ... إبتسمت فى وجهه قالة: لقد كان يوما جميل..
" جرت نحوى ابنتى الصغيرة قالت :
ماما أنظرى ماذا وجدت أنه المحار
فقلت لها إطلقية و أنظرى لما سيفعله ...و ما إن وضعته حتى أخرج كائن المحار أحد أهدابه و تحرك نحو الماء ..فى محاولة لإستعادة الحياة و البقاء ...هيا حبيبة قلبى حتى لا نتأخر على بابا و نعود..

تمت
Tuesday, November 11, 2008

شهر يار و ساره زاد

شهر يار و ساره زاد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعد حفل عظيم شهده الأهل و الأصحاب ، ما ندرى أكان حفل بهيج يجمع الأحباب أم هو يوم تأبين لحلم قد غاب . إنصرف المهنئون بعد تناول ما لذا وطاب ،وأقبل شهريار إلى مليكته العروس الجديدة ساره زاد مبتسماً فهى ليلة لا يألف فيها هم أو زعل، أما هى فهو يوم نهاية العمر و بداية لما هو مجهول ...

تقدمت نحوه و جست على قدماه فأبتعد متشككاً فى نوايها ...
شهريار: ماذا تفعلين يا ساره زاد ؟
ساره زاد : مولاى كنت ألتمس البركة ،أولست اليوم زوجاً لى ؟
و أردت أن أطرب سمعك بحكاية فعساك تحب الحكايات ...
شهريار: لا...لا أحب حكايات النساء فكلكن سواء.
ساره زاد : أترانى مثلهن يا مولاى ؟
( يجذبها بقوة من ذراعها ) .
شهريار: و لما تظنى نفسكى تختلفين عنهن ؟
ساره زاد: لأنك اليوم تخاطبنى و تمهلنى حتى الصباح...
شهريار : ما يمنعنى أن أمر بقطع رقباتك الان ؟
ساره زاد : لأنك يا مولاى ما تفعلها دون ميعاد ؛ فقط إمهلنى بضع ساعات ... بل لحظات من السعادة ،أوليس هذا يوماً تتمناه كل الفتايات ؟!
شهريار: أكملى أذن الحديث ..لقد قلتى حكاية ، أن حديثك هذا أصابنى بالكأبة.
ساره زاد : مولاى الحبيب ذو الرأى الرشيد يحكى أنه كان غلام بسيط الحال يعيش فى زمان تطير فى الطائرات و كأنها بساط الريح يحمل مئات الركاب ...ألتحق صاحبنا بكلية العلوم بعد أن نجح فى الثانوية العامة بمجموع و كان له أخان أحدهما ضابط شرطة و الاخر طبيب بالمستشفى العام ...
شهريار : ما هذا أيتها الخرقاء ؟ما هذا الزمان ؟
ساره زاد : أتى على الانسان زمان يكون هناك شيئا يسمى مدرسة حيث يُدرس المواد و العلوم و الفنون ...غير أنها أصبحت عقيمة بعد أن كانت يوما من أحدث العلوم و نور للمعارف ...المهم يا مولاى أن الغلام تدرج فى صفوفها حتى وصل الى نهاية المطاف صار خريجا حديثا من كلية العلوم قسم الفيزياء النووية ...
شهريار: ما هذا العلم يا ساره زاد ؟ حديثينى عنه ؟
ساره زاد :إنه أحد العلوم الحديثة التى شهدها إنسان ذاك الزمان ...علم يُنتفع به أو يدمر به ...
الفيزياء النووية تستعمل في كثير من حقول المعرفة ، كالطب ،والصناعات، و الجيولوجيا ، والإلكترونيات ، وفي الفضاء ، و الآثار ، وفي التعقيم ، وغيرها الكثير و الكثير من الإستخدامات..تلك الفيزياء النووية أصبحت في ذلك الزمان ضرورة للعالم المتطور ، فقد أصبحت إحدى الأسس الكبرى لبناء المستقبل ، نظراً لما توفره من أمكانيات جبارة .ولكن للأسف أستخدمت الفيزياء النووية فى صنع القنابل و التدمير.و كلما كنت ذو سلطان و نفوذ تصير القوى بيديك تبطش بها من تشاء ....
شهريار :(فى غضب) أجُننتى ... ماذا تقصدين؟
ساره زاد: ما قصدت شيئا يا مولاى ...غير أن تلك العلوم المتتطورة تحدث جدلا و نزاع بين الشعوب و الحُكام ...سأكمل الحكاية يا مولاى ...بعد أن تخرج الغلام بتقدير جيد صار يبحث عن عمل ليل نهار ؛يذهب الى حيث معامل التحليل و معاهد الابحاث و ما من جدوى من البحث ...أما حبيبته فلم تطق الإنتظار و تزوجت من معيدها ابن زوجة العميد ؛هو شاب لديه إمكانيات و كما يقول أهل ذلك الزمان "جاهز من مجاميعه "...بعد أن نال من المساعدات الكثير و حصل على فرصة عمل فى إحدى دول الخليج البنغالى ....

و كان لأخوايه شأن أخر ...أما الضابط فكان قوى البنية شديد الطلعة لا تعرف إن كان حزين او فرحان ..كان يذهب كل يوما إلى حيث يعمل بقسم الشرطة حيث يتلقى شكاوى الشعب ...و هناك ترى اللصوص و المتهمين و الجناه ...هناك من المجرمين درجات فمنهم "الهاى كلاس.".. هناك يا مولاى يُجبر المتهمون على الإعتراف و يتبع معهم أسواء الأساليب و أشد العقاب ...
شهريار : ما كل هذا ؟ إنه زمن العبر؟
ساره زاد : صدقت يا مولاى ...فهناك القانون يطبق على الغلابة و من ليس لهم معارف ذو نفوذ يحتمون بهم أو يلجئون إليهم عند الحاجة....
شهريار : ماذا حدث بعد ... فقد أوشك صبرى على النفاذ...
ساره زاد : مولاى ألا يعجبك حكى و كلامى ....
شهريار: نعم لقد أصبتنى بهم كبير و جعلتنى أفكر فى حال الرعايا ...
ساره زاد : أحقا ...إذان لأكمل ما قد بدأناه فلم يبقى على النهاية سوى القليل ...
أعطاها شهريار الإذن بأشارة من يديه و جلس إلى جوارها منصتا لما تقول ...
ساره زاد : فى يوم من الايام تلقى ذلك الضابط بلاغا بأن إبنة اللواء فلان العلانى قد كسرت أشارة و صدمت سيارة موظف على باب الله .
شهريار : موظف على باب الله !
ساره زاد:نعم يا مولاى ...إن لقب موظف و هو لقب شرفى لكل مواطن محدود الدخل ... يقود سيارة بالتقسيط و يسكن فى شقة بالايجار...
شهريار : أكملى ...
ساره زاد : تلك الفتاه الجميلة البريئة نزلت عن سيارتها بمنتهى الذوق تحى الموظف و تطلب منه بمنتهى الإحترام أن يقبل التعويض بعد أن فرجت عليه أمة لا إله إلا الله و إتهمته بأنه الغلطان ...و أنه أعمى أصاب سيارتها " البى. أم . دابليو" . بخدوش من الامام ...أما المسكين فقد رفض التعويض و ظل يردد" حسبى الله و نعم الوكيل" ..فصرخت فيه و أظهرت اللون الحقيقى لأوالاد الثعابين ...و قالت " أنا أبنة فلان العلانى يا أبن تيت تيت و هو هيخاليك تبوس الايادى علشان تأخد التعويض"...كل هذا لأن صاحبنا لم يقبل التعويض و أراد أن يتبع الإجراءت القانونية و يعمل بالمثل اللى بيقول ..."مفيش حد فوق القانون" .

شهريار : أهكذا أخلاق بنات الجيل ؟
ساره زاد: لا يا مولاى ...أنها و احدة من أبناء رجال الامن و حاشية السلطان الفاسدين من يستغلون نفوذهم و يداوى أخطائهم على حساب الأخرين فأصبح ما من شئ يهمهم ...
و تكمل الحديث ...
ساره زاد : أما الاخ الطبيب فهذا ياعينى غلبان بعد أن أضاع من عمره سنوات و سنوات حتى يتخرج من كلية الطب ،عمل بالمستشفى العام ...فرأى ما لعين إنسى تقبل؛ مناظر تشيب لها الرأس شيبا ...أول ما رأه حالات القصر العينى و مدى الإهمال و المعانة...حالات تموت بسبب تقصير الممرضات و أخطاء الأطباء ...حتى أن طفلا يا حول الله قد تلقى ضربات من معلم الفصل فلقى الصغير مصرعه بين يد معلمه الذى أودعه تلك المستشفى ..فإذا بالطبيب يرى كيف يتم التلاعب بالتقارير حتى تخفى الحقيقة خشية على مستقبل المعلم الشاب ...
شهر يار : كل هذا يحدث فى زمن و احد ...ما بال الإنسان ؟
ساره زاد : الغريب يا مولاى أن الجميع يرجع السبب إلى نقص الاموال و ضيق العيش و أنه عيب الحكومة و الزمان ...
شهريار : نعم هذا غريب بعد الذى قلتيه... حبيبتى ساره زاد إن الفجر قد لاح و أدركتى الصباح ...لكنى عاهدت نفسى الابقاء على حياتك بعد ما أنرتى عقلى بحكايتك ..غير أن هناك شيئا محتوم ...
هنا نادى على مسرور السياف .
شهريار : يا مسرور أقطع لسان زوجتى المصون و أبقى على روحها .. فهذا حل يرضى جميع الاطراف ...

تمت
Thursday, October 30, 2008

لقــطـات الــحــيــاة


لقطات الحياة
______

هى فتاة شابة وسط عدد من الافراد، تعيش بين أسرتها و كأنهم أغراب. أسرة تجتمع على الموائد و فى المناسبات ... بيت يسود جدرانه إما الصمت أو الحنق... أياما تمضى تصارع فيها الأفكار ؛ فهى الشئ الوحيد الحر فى حياتها. تمسك بالقلم و ترسم وجوهاً بلا ملامح،ترسم غرفا فارغة. ذات ليلة أحست بوحشة الحياة و كرهت وحدتها فأرادت أن تشاطر أسرتها وقتاً كانوا يشاهدون التلفاز...فجلست إلى جوار والداها و والداتها و شقيقها الأصغر،وهم كل أسرتها و كل حياتها بعد أن دارت الحياة فى دوامتها الكبيرة فلا تجد الأسرة التى يعيش أفرادها وسط العائلة الكبيرة التى تحتوى أعضائها بحنان ،فلم يعد هناك الراوابط الوطيدة وأصبح الاشقاء كالمعارف يجتمعوا فى المحافل قبل العزاء...لم تجد ما يعرض على شاشة التلفاز يستحق المتابعة ؛وجددت نفسها تتفحص الوجوه و كأن لم تراها من قبل ...فظلت تراقب و تدقق فى ملامحهم جميعا عن كثب ؛ تتفحص والدها و هو يلقف التسالى إلى فمه كما يسدد لعب كرة السلة رميته فيسجل هدف...تتفرس تعبيرات والدتها فهى تارة متأثرة و تارة أخرى ناقدة ...ثم تلقى بنظرها إلى أخاها الذى يدعى أنه كبير و أنه راشد و يفرض رأيه على والدايه ...فتجده تافهاً يضحك سريعاً و يحزن سريعاً ،و كأنما لا يجد الوقت حتى يفكر هل هو سعيد أم حزين ،يتموج بين حالاته ...

فتقفذ عن كرسيها و تذهب إلى البلكونة حيث تشيح بنظرها إلى أحد الشرف فى العقار المقابل ؛ فترى مشهدا يستحق الإنتباه . ترى سيدةً فى الخامسين من عمرها ، تعرف ملامحها جيدا إنها السيدة التى تراها أحيانا فى المسجد و ربما تقف إلى جوارها ، تجلس فى وضع القرفصاء و أمامها صينية عليها براد الشاى و أكواب ثم تقدمها بيديها الى أحدا جالس أمامها على كرسى ... تتسأل ما الذى يجعل سيدة مثل هذة تجلس هكذا ؟ ربما ذلك سلوك عادى بالنسبة للسيدة ولكن لما لم ترى هذا المشهد الحميم الدافئ فى بيتها ؟

تمر بضعة أيام تنشغل فى حياتها الروتينية ما بين عملها وعلاقاتها السطحية مع زملائها ، رغم أنها محبوبة من الجميع لحسن خلقها و تعاملها ؛ غير أنك ستجد الحاقدين على حب الناس ، يفتعلوا المشاكل و الاقاويل ، لكنها لا تبالى ... ليس لأنها غير مبالية بالمحيطين و إنما لانها تواجه مشاكلها الحقيقية ولا تفزع من الهراء ... تنساق وراء مراقبة تلك العائلة دون غيرها؛ من يعيش مع تلك السيدة كيف هى حياتها؟
دون وعى منها وجدت نفسها تحاول التلصص على تلك العائلة ؛ فتجد أبنائها و زوجاتهم ، فقد من الله عليها بالذكور و لم تنجب بنتا تعينها. و تراقب كيف هى حياة العائلة و تذهب بمخيالتها إلىطرح أسئلة حول شخصية تلك السيدة و كيف تعامل زوجات أبنائها وكأنها أماً أم حماة أخرى من الحموات ... تشرد بأفكارها إلى حيث تتمنى أن تكون فرداً فى تلك العائلة ..أبنة لها ؛فهى سيدة كما تراها تداوم على الصلاة و أما مسؤلة و حنونة .

لقد عينت نفسها "كاميرا " تلتقط صورا و أشكالا لحياة أخرين و تناسيت تماما حياتها الشخصية .فأستيقظت على حقيقة أن سنون العمر تمر سريعا و فهى شابة غير متزوجة فى حين صديقاتها و أقرانها و ذويها ممن فى عمرها و أصغر منها صرن زوجات مسؤلات عن زوج و بيت وأطفال. أصابتها حالة من التمرد فأخذت إجازة من عملها و ظلت قابعة فى البيت معزولة عن الناس ...فإذا بوالداها و والداتها يزيدا عليها الخناق من إتهامات بأنها تريد الحياة هكذا متكائة عليهما و على أموالهما و أنها لا تريد تحمل المسؤلية ولا تفكر سوى بنفسها ... تكاد تجن من أزدواجية الافكار كيف تفكر فى الزواج و هى تستمع للعنات الزوجات ،أفتصير كمن تعرفهن صرن جاريات فى قصور السلاطين ... ثم تفكر فى الحب الذى بات شيئا مهجورا من قديم الازل يتداوى به كل عاشق محروم لا يملك الماديات ليتوج حلمه بالزواج ،ظلت عينها تلتقط المشاهد و العدسة لا تمل من النظر و التفكر فى أحوال البشر.

وجدت نفسها يوما تصارح والدتها برغبتها فى الزواج و تفرغ ما فى جعبتها من أفكار رومانسية كانت منسية و فى طى الكتمان ؛وبعد عدة أشهر قليلة تقدم عريس ...أطلقت عليه "عريس الغفلة" . وجدت نفسها مضطرة لمقابلة العريس المرشح . و تطلب منها و الداتها التزين و توصيها بما يليق بمثل تلك المناسبات ثم تحذرها من إغضاب والدها إذا رفضت العريس القادم من طرف أحد معارفه فى مجال عمله ...و هنا تجد نفسها سجينه داخل أسوار نفسها تحيط بها المخاوف و الرغبة ...

تحمل صينية المشروبات و تتقدم فى خطئ بطيئة نحو العريس و هو رجل ذو ملامح رجولية واضحة ،رجل فى منتصف الاربعينات،رجل متباهى بالشقة الواسعة و السيارة والاملاك و الامكانيات ...تحاول تغير الحوار إلى مواضيع تهمها ،فتجد نظرة قاسية من والداها و كأنما يقول ما هذا الذى تتحدثين به ...و كأن كل هذا اللغو وهى نائمة أو مغشى عليها ...فتفيق على أنها تمت خطبتها لرجل لا تعرف عنه سوى اسمه و لكنه يتعامل معها بلطف بالغ و أحيانا يحاول مداعبة كفها بأنامله ...و تعلو على وجهه نظرة حانية تحسبها نظرة أب لأبنته ...و كان هذا ترجمة لشعورها نحوه .إنها حقا تحب سماع صوته و لكن لا تدرى فيما يتحدث ...يحدثها كثيرا عن الماضى بينما هى تفكر فى المستقبل و تمتلكها أفكار متحررة و جرئية ...تقيدها سلاسل التقاليد و التربية الخاشنة وكأن الوالدين هما من يقف لها بالمرصاد ؛حتى و إن كانت تملك عقلها و أفكارها فإن نظرات والدايها و شقيقها لا تفارق مخايلتها و يظل يتردد فى ذهنها جمل سلبية :
|أنتى ضعيفة لا تجرئى على أخذ قرار ." كان هذا حلما بل كابوسا طويلا تتمنى نهايته و الخلاص منه .فمن يملك خلاصها .

قبل أن ينتهى يومها طلبت مقابلته فى الغد و صارحته بأنها غير مستعدة للزواج و أنها تحبه حقا و تعودت عليه لكنها تخشى فكرة الزواج ..و هنا يعتبرها الرجل الشرقى إهانة و أنها ترفضه بشكل مخفف حتى لا تجرحه ...و إعتبرها هو خيانة و ظل يضيق عليها و يسألها من ذلك الذى تنتظره و أنه يريد أن يعرفه ... صراخ ...صراخ فى أركان البيت ...الاب و الام و الشقيق يندبون حظ الابنة العسر و أنه لابد و أن يكون مساً من الجنون أو أصابتها عين الحسد ..لكنها تظل صامدة و مصممة على قرارها لن تتزوج به ...و تصرخ فى كل من حولها :
نعم لن أتزوجه ...نعم أنا من يقرر ...أقرر ما أشاء ..أنا أقرر ماذا أكل ؛هل أتناول الغذاء فى البيت أم وحدى فى أى مكان ...أنا من يقول هل سأتزوج أم أظل عزباء ...أنا أحق بنفسى من كل هؤلاء ...

تمت
Sunday, October 5, 2008

هروب عاشق

هروب عاشق
ــــــــــــــــــــــ

ذكر ابيض فى متوسط العمر جالس فى احد الكازينو المطلة على النيل يرشف قهوته ببطء ..يتأمل المياه المضيئة بالون الذهبى البراق وقت ما بعد الظهيرة ...ربما جعله هذا يسترجع الماضى البعيد و يقلب صفحاته إلى أن يطويها فينظر إلى ساعته إنها السابعة مساءً . يردد " آه كم طال بى الوقت وأنا أرتشف تلك القهوة الباردة " ...ينهض رمزى على عجلة ، فهو يمشى فى خطوات سريعة واسعة وكأنه يسابق عجلة الزمان . و يصل إلى سيارته المتوقفة أمام أحد المحال الكبرى ، ويدخل سيارته وينطلق إلى حيث لا يدرى ... و فيما هو منطلق تمر عبر الطريق سيدة شابة تحمل عدة حقائب و تمسك فى يديها طفلين ... تتسع حدقتا عيناه " إنها هى ...هى حقا ".

يتبع سيرها إلى أن تتوقف لتلتقط أنفاسها وتعيد ترتيب أغراضها ، فهى على ما تبدومثقلة بهموم الحياة وأعباء اولادها...فينادى باسمها أملاً أن يحالفه الحظ وتلتفت إليه. و ما هى إلا لحظات و تقفز النظرات الطفولية بين عينيهما تسترجع ذكرياتهما معا.
شاباً كان هو فى عقده الثانى و هى كانت أجمل الفتيات على الاطلاق ،لم يكن جمالها فى حسنها فقط وأنما حضورها الذى يخطف الألباب ... فهى الفتاه الاكثر حماسة و الهاماً بين زميلاتها و أقرانها فى الجامعة ...كان هو الشاب الاكثر طموحا وذكاءا ولكنه لم يكن إجتماعيا فلم يهتم بالمحافل أو ثرثرة الشباب ...لم يكن من النوع الذى يجذبك لتبداء معه حوار بيد أنك لو تحدثه تجده شخصية مثيرة للفضول بأفكاره و نتوعها ؛ فتيات الجامعة كن تمدحن ملامحه الذكورية القاسية بداءً من طول قامته و يداه و شفاه التى تقول بعضهن أنها تقطر كلاما "كالطوب" من فرط صراحته التى لا تعرف المجاملة . كان رمزى دائما ناجح فى الوصول إلى مبتغاه وطرح أفكارا تلاقى إعجاب ومديح الاخرين لما يتميز به من فصاحة البيان ...وكيف لا يكون وهو الاول على دفعته.

و قد عُين هو ونشوى كمعيدان بالكلية بعد التخرج مباشرةً ، ثم إستكمالا دارستهما العليا سويا رغم إختلاف تخصصاتهما ...وسرعان ما يعودا إلى رشدهما ... إلى الواقع ؛فهو متزوج وهى أيضا متزوجة ... تسأله نشوى عن ما سار بحياته وهل لايزال يُدرس بالجامعة ...فأجابها انه مجرد عمل شرفى ليس إلا ، وإنه بداء تجارته الخاصة به و زوجته تديرها ... و لم ينجب و أنه النصيب ...فهو مشغول بالدراسة و العمل وزوجته يكفيها ما تعانيه من إجهاد فى العمل وهى منكبة على العمل لشغل وقتها و حتى لا ترهق نفسها فى التفكير فيما لايجدى نفعاً...إما هى فتقول أنها متزوجة من رجل محترم يعمل نائب للرئيس التنفيذى فى فرع إحدى الشركات العالمية...و هو عادةً ما يكون مسافر لظروف عمله ،فقد تقضى ثلاثة اشهر لا تراه.عادة ما تقضى معظم أيامها عند والداتها أو والدة زوجها ...أراد رمزى أن يتناول معها شراب و يتحدث معها أكثر لكنها إعتذرت و عرفته على صغيريها طّه و نديم .
و فى نظرة آلم يتنمى لو أنهما اولاده منها ...و كأنها تفهم عيناه ...تقول "كل شئ نصيب ". ويجيبها رمزى بأن "هذا صحيح كل شئ نصيب ولكننا كبشر مسؤلون عن مصائرنا فى بعض الاحيان نوجهها احيانا على الدرب الصواب و احيانا نخطئ "
هنا تستوقفه نشوى بقولها " هكذا انت ... كعادتك ...تجادل وتجادل"
فيضحك وتضحك ...و تسلم عليه و تستأذنه بالانصراف و أنها كانت فرصة طيبة أن تراه بعد كل تلك السنوات انها أكثر من عشرة أعوام من الفراق و مواجهة الحياة ، و هما الروحان الاكثر ملائمة لبعضهما الاخر و لكنهما نجاحا بالعيش و ليس الحياة ...

قصد رمزى بيته عائدا و عندما فتح الباب وجد زوجته منتظره بالترحاب مرتدية فستان مخملى و أريج العطور يملئ المكان ..إنها تحضر لليلة خاصة على أضواء الشموع ...يزيده الامر دهشته وكأنه إحتفال لذكرى الماضى ...تناولا العصير وأكلا وضحكا سويا فهى مهما كانت زوجته ولا يريد أن يخسرها وربما لا يفكر فى خسارتها الان ...

بعد مضى ليلة رمانسية للزوجان نهض باكرا و دخل التراس يتأمل نور الصباح و يردد فى نفسه " إنها لشقة فاخرة و عيشة مرفهة و زوجة مخلصة ؛لكن لما لست سعيد لا سابق ولا الان !؟"
ظل طيف نشوى يراود مخيلته و لكن ينصرف عندما يفكر كيف أنه بذلك يخون زوجته .. تلكم التى و قفت الى جانبه فى بدايته ...ثم تذكر كيف أنه محروم من إحساس الابوة بسببها و إعتصر الآلم صدره وكاد قلبه أن ينفجر ... ثم ردد فى نفسه "لست مستعدا للعناية بأولاد فأنا لست متواجد دائما لأعتنى بهم وهى ايضا ...هى الاخرى لن تستطيع ...أولاد لا ينقصنى هم الاولاد ...يكفينى الطلاب فى الجامعة و العمل و هى ...و لكنى لست مرتاح ..."
تستيقظ زوجته و تخرج لتضع على وجنته قبلة دافئة و هنا يمسك يدايها بحنان و يضمها الى صدره و يقول "كيف تكون حياتى بدون نجواى؟"
فترد عليه نجوى وعلى شفاهها إبتسامة "لن تكون لك أو لى أى حياة "
يزيد من ضامته لها " لا استطيع الحياة بدونك "
تقبل يداه بحب و تهمس فى أذنه" بدونك ليس لى حياة وتلك الايام معا سويا فقط هى الحياة "
فيرد رمزى " وجودك معى هو سعادتى "
و لكن يا له من نزاع يطيح بعقله فهو يفكر فى مدى صحة تلك العبارات و لما يرددها ما دام لا يقصدها أو يشعر بها ...ربما كان هناك سبب أقوى مدعاة لقول مثل تلك الكلمات ...

يعود رمزى لحياته الروتينية ذات الإيقاع السريع تبداء بخطواته المتسارعة داخل مدرج الكلية و إستلقائه على كرسية ليلقى المحاضرة و يتجول بنظره بين أعين الشباب والشابات من منهم سيكون رمزى أخر ومن ستكون نشوى ... إلى أن يفرغ من المحاضرات فيعود الى الاعمال و شؤنه الخاصة ،و تدور العجلة فى ثبات .
عُين مؤخرا معيدة شابة يافعة متحمسة للعمل ...نعم كانت خبرتها ضئيلة و تواجه بعض المشكلات و لكن لسبب ما يرى فيها نشوى جديدة تخرج للآفاق ...هل من الممكن تكرار ما حدث ؛ أن تترك الجامعة و التدريس للزواج والانجاب ؟!
إلى أن حدث نقاش بينهما فصرحت بأنها ليست من النوع الذى يركن إلى الحياة الزوجية أو يعتمد على زوج ، وأنها تفضل الحياة حرة طليقة بأفكارها .. لا تريد ظلم وزج أو ابن يكون لها ... وجهت إليه سؤال " كيف ترى مستقبل ابن لن ترضى امه عن التضحية بحلمها أو مستقبلها" ... و لم تنتظر إجابة ...فتقول " اعلم أنها أنانية منى و من الممكن أن أندم على هذا القرار ...لكن لندع الايام تفعل ما تشاء".
هنا يرد عليها رمزى بصراحته المعهودة " يا أستاذة إننا لا نملك سوى الخيارات التى نسلك سبيلها ... فنحن نعيش حاضرنا فقط ، و ربما نتذكر ماضاً مر بنا ، ثم نضع المستقبل بين يدى الله "... ويستكمل "إنى لأتذكر زميلة لنا تركت الجامعة رغم ناجحها فى مجالها ...لقد كان لها مستقبل واعد ...لقد تركت التدريس وليست نادمة لتطرق باب المستقبل و تقفل أبواب الماضى ورائها ...تترك حب لايزال يطارحه حب إثبات الذات و يطوف فى عقله وهم المستقبل ...أما هى فكانت تريده و تريد الامان و الاستقرار ...و يالها من معادلة كان التوازن بين طرفيها صعب المنال ...ففضلت التضحية بالحب لتشعر بحب أكبر نحو الحياة ...نحو الاولاد ...أتدرى يا أنسة الان عرفت ما ينقذ الحب من الضياع .."

ثم ينطلق رمزى إلى سيارته لمقر عمل زوجته ...على غير عادته يمشى رمزى متباطئا فى مشيته لا هى معتدلة ولا سريعة و كأنه يفكر فيما سيلقيه على مسامع زوجته إذ كان سيقيم معبدا للحب أم سيحطم أرجاء المكان ...و يدخل عليها المكتب دون طرق لبابه و يقول " إن على احداٍ منا ملئ هذا الفراغ ..."
و تسأله هى فى اندهاش و تحيط بيه و تمسك بيده فينتزعها ويكرر نفس العبارة " على أحداٍ منهما ملئ الفراغ"...فتسأله "أين ذاك الفراغ ؟". أجابها رمزى "لا بد و أن نضحى حتى يقوى الحب "... أما هى فتعرف أنه يضحى بوجود طفل له منها ...فتنظر نظرة يأس بأنها ستضحى إن هو أراد ... و لكنه يجذبها إليه و يطمأنها إنه لا يريد غيرها و إنه صادق بكلامه معها ...أما هو فكانت التضحية بنظره أن يموت حب قديم فى قلبه حتى يعيش حبا جنينا يطوق للحياة ..
تمت
Monday, July 14, 2008