الأربعاء، 10 مارس 2010

لقــطـات الــحــيــاة


لقطات الحياة
______

هى فتاة شابة وسط عدد من الافراد، تعيش بين أسرتها و كأنهم أغراب. أسرة تجتمع على الموائد و فى المناسبات ... بيت يسود جدرانه إما الصمت أو الحنق... أياما تمضى تصارع فيها الأفكار ؛ فهى الشئ الوحيد الحر فى حياتها. تمسك بالقلم و ترسم وجوهاً بلا ملامح،ترسم غرفا فارغة. ذات ليلة أحست بوحشة الحياة و كرهت وحدتها فأرادت أن تشاطر أسرتها وقتاً كانوا يشاهدون التلفاز...فجلست إلى جوار والداها و والداتها و شقيقها الأصغر،وهم كل أسرتها و كل حياتها بعد أن دارت الحياة فى دوامتها الكبيرة فلا تجد الأسرة التى يعيش أفرادها وسط العائلة الكبيرة التى تحتوى أعضائها بحنان ،فلم يعد هناك الراوابط الوطيدة وأصبح الاشقاء كالمعارف يجتمعوا فى المحافل قبل العزاء...لم تجد ما يعرض على شاشة التلفاز يستحق المتابعة ؛وجددت نفسها تتفحص الوجوه و كأن لم تراها من قبل ...فظلت تراقب و تدقق فى ملامحهم جميعا عن كثب ؛ تتفحص والدها و هو يلقف التسالى إلى فمه كما يسدد لعب كرة السلة رميته فيسجل هدف...تتفرس تعبيرات والدتها فهى تارة متأثرة و تارة أخرى ناقدة ...ثم تلقى بنظرها إلى أخاها الذى يدعى أنه كبير و أنه راشد و يفرض رأيه على والدايه ...فتجده تافهاً يضحك سريعاً و يحزن سريعاً ،و كأنما لا يجد الوقت حتى يفكر هل هو سعيد أم حزين ،يتموج بين حالاته ...

فتقفذ عن كرسيها و تذهب إلى البلكونة حيث تشيح بنظرها إلى أحد الشرف فى العقار المقابل ؛ فترى مشهدا يستحق الإنتباه . ترى سيدةً فى الخامسين من عمرها ، تعرف ملامحها جيدا إنها السيدة التى تراها أحيانا فى المسجد و ربما تقف إلى جوارها ، تجلس فى وضع القرفصاء و أمامها صينية عليها براد الشاى و أكواب ثم تقدمها بيديها الى أحدا جالس أمامها على كرسى ... تتسأل ما الذى يجعل سيدة مثل هذة تجلس هكذا ؟ ربما ذلك سلوك عادى بالنسبة للسيدة ولكن لما لم ترى هذا المشهد الحميم الدافئ فى بيتها ؟

تمر بضعة أيام تنشغل فى حياتها الروتينية ما بين عملها وعلاقاتها السطحية مع زملائها ، رغم أنها محبوبة من الجميع لحسن خلقها و تعاملها ؛ غير أنك ستجد الحاقدين على حب الناس ، يفتعلوا المشاكل و الاقاويل ، لكنها لا تبالى ... ليس لأنها غير مبالية بالمحيطين و إنما لانها تواجه مشاكلها الحقيقية ولا تفزع من الهراء ... تنساق وراء مراقبة تلك العائلة دون غيرها؛ من يعيش مع تلك السيدة كيف هى حياتها؟
دون وعى منها وجدت نفسها تحاول التلصص على تلك العائلة ؛ فتجد أبنائها و زوجاتهم ، فقد من الله عليها بالذكور و لم تنجب بنتا تعينها. و تراقب كيف هى حياة العائلة و تذهب بمخيالتها إلىطرح أسئلة حول شخصية تلك السيدة و كيف تعامل زوجات أبنائها وكأنها أماً أم حماة أخرى من الحموات ... تشرد بأفكارها إلى حيث تتمنى أن تكون فرداً فى تلك العائلة ..أبنة لها ؛فهى سيدة كما تراها تداوم على الصلاة و أما مسؤلة و حنونة .

لقد عينت نفسها "كاميرا " تلتقط صورا و أشكالا لحياة أخرين و تناسيت تماما حياتها الشخصية .فأستيقظت على حقيقة أن سنون العمر تمر سريعا و فهى شابة غير متزوجة فى حين صديقاتها و أقرانها و ذويها ممن فى عمرها و أصغر منها صرن زوجات مسؤلات عن زوج و بيت وأطفال. أصابتها حالة من التمرد فأخذت إجازة من عملها و ظلت قابعة فى البيت معزولة عن الناس ...فإذا بوالداها و والداتها يزيدا عليها الخناق من إتهامات بأنها تريد الحياة هكذا متكائة عليهما و على أموالهما و أنها لا تريد تحمل المسؤلية ولا تفكر سوى بنفسها ... تكاد تجن من أزدواجية الافكار كيف تفكر فى الزواج و هى تستمع للعنات الزوجات ،أفتصير كمن تعرفهن صرن جاريات فى قصور السلاطين ... ثم تفكر فى الحب الذى بات شيئا مهجورا من قديم الازل يتداوى به كل عاشق محروم لا يملك الماديات ليتوج حلمه بالزواج ،ظلت عينها تلتقط المشاهد و العدسة لا تمل من النظر و التفكر فى أحوال البشر.

وجدت نفسها يوما تصارح والدتها برغبتها فى الزواج و تفرغ ما فى جعبتها من أفكار رومانسية كانت منسية و فى طى الكتمان ؛وبعد عدة أشهر قليلة تقدم عريس ...أطلقت عليه "عريس الغفلة" . وجدت نفسها مضطرة لمقابلة العريس المرشح . و تطلب منها و الداتها التزين و توصيها بما يليق بمثل تلك المناسبات ثم تحذرها من إغضاب والدها إذا رفضت العريس القادم من طرف أحد معارفه فى مجال عمله ...و هنا تجد نفسها سجينه داخل أسوار نفسها تحيط بها المخاوف و الرغبة ...

تحمل صينية المشروبات و تتقدم فى خطئ بطيئة نحو العريس و هو رجل ذو ملامح رجولية واضحة ،رجل فى منتصف الاربعينات،رجل متباهى بالشقة الواسعة و السيارة والاملاك و الامكانيات ...تحاول تغير الحوار إلى مواضيع تهمها ،فتجد نظرة قاسية من والداها و كأنما يقول ما هذا الذى تتحدثين به ...و كأن كل هذا اللغو وهى نائمة أو مغشى عليها ...فتفيق على أنها تمت خطبتها لرجل لا تعرف عنه سوى اسمه و لكنه يتعامل معها بلطف بالغ و أحيانا يحاول مداعبة كفها بأنامله ...و تعلو على وجهه نظرة حانية تحسبها نظرة أب لأبنته ...و كان هذا ترجمة لشعورها نحوه .إنها حقا تحب سماع صوته و لكن لا تدرى فيما يتحدث ...يحدثها كثيرا عن الماضى بينما هى تفكر فى المستقبل و تمتلكها أفكار متحررة و جرئية ...تقيدها سلاسل التقاليد و التربية الخاشنة وكأن الوالدين هما من يقف لها بالمرصاد ؛حتى و إن كانت تملك عقلها و أفكارها فإن نظرات والدايها و شقيقها لا تفارق مخايلتها و يظل يتردد فى ذهنها جمل سلبية :
|أنتى ضعيفة لا تجرئى على أخذ قرار ." كان هذا حلما بل كابوسا طويلا تتمنى نهايته و الخلاص منه .فمن يملك خلاصها .

قبل أن ينتهى يومها طلبت مقابلته فى الغد و صارحته بأنها غير مستعدة للزواج و أنها تحبه حقا و تعودت عليه لكنها تخشى فكرة الزواج ..و هنا يعتبرها الرجل الشرقى إهانة و أنها ترفضه بشكل مخفف حتى لا تجرحه ...و إعتبرها هو خيانة و ظل يضيق عليها و يسألها من ذلك الذى تنتظره و أنه يريد أن يعرفه ... صراخ ...صراخ فى أركان البيت ...الاب و الام و الشقيق يندبون حظ الابنة العسر و أنه لابد و أن يكون مساً من الجنون أو أصابتها عين الحسد ..لكنها تظل صامدة و مصممة على قرارها لن تتزوج به ...و تصرخ فى كل من حولها :
نعم لن أتزوجه ...نعم أنا من يقرر ...أقرر ما أشاء ..أنا أقرر ماذا أكل ؛هل أتناول الغذاء فى البيت أم وحدى فى أى مكان ...أنا من يقول هل سأتزوج أم أظل عزباء ...أنا أحق بنفسى من كل هؤلاء ...

تمت
Sunday, October 5, 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق