الأربعاء، 10 مارس 2010

لوحة الفنان الكاملة


لوحة الفنان الكاملة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تبداء الحكاية حين إلتقت حنان الشابة بعاصم الرسام الموهوب .أما حنان فهى عاشقة للفن ،مرحة، و منطلقة و محبة للحياة ..لم تكن جميلة ...فجمالها لا تقدره إلا أعين فنان ..رموشها السوداء الطويلة الكثيفة تخطف الانظار إلي عينها ..فكانت عينيها حقا فاتنة ،رغم أنها لم تكن جميلة إذا ما قارنتها بالأخريات ...إلتقت بعاصم صدفة فى حفلة أقامها أحد أصدقاء عمها مختار ،الصحفى بجريدة الحرة . وكان تعارفا عابرا أوله نظرة إعجاب بفن و لوحات هذا الفنان المخضرم عاصم .كانت لوحاته ذات طابع فريد الضعف من وراءه قوة ...و من وراء الجمال قبح ، كان فيلسوفا بحق ..تجاذبا هما الإثنان أطراف الحديث و هم هو بعد ذلك بالإنصراف ... أما هى فكانت تفكر فيه و هو الرجل الرزين العاقل الذى لا يشغله عن حبه لعمله و حياته إلا قلة قليلة من الأصدقاء . أما هى فكانت حياتها نشطة مليئة بالأصدقاء و الصديقات و السفر و الندوات .حنان طموحة و واعية، بعد الحفل أرادت بشدة أن تحصل على عنوان عاصم و رقمه، وتمكنت بالفعل من ذللك ...نعم هذا ما أرادت ...قضت ليلتها و هى تضغط علىأزرار الهاتف من ثم تتراجع ...فتسأل نفسها "ما سبب تلك المكالمة؟ و لما أريد محادثته ؟ " هناك فرق كبير بين حياتهما ، لكنه أغراها بكلماته القليلة و سحر إبتسامته الواسعة ..أغراها بفنه و رقته ...
لو أن حواء أخرجت آدم من جنته ، فها هو آبن آدم يخرج حواء من جنة راحة بالها ..

يمر إسبوعا كاملا على هذا الحدث ..تظل مشغولة الفكر ، تفكر فى رؤيته ...تمر من أمام ورشته الفنية و كيف كانت مكتظة يومها بالزائرين ...لقد كان يوم ميلاده و أتى بعض طالبته الأوفياء ليحتفلوا به ..لقد عمل فترة بالتدريس فى كلية فنون جميلة ..و ها هى تقدمت تلقى عليه التحية معللة سبب زيارتها أنها كانت قريبة و أرادت إلقاء التحية ... فدعها للبقاء ...و جدته إنسان بسيط مع طالبته يقدم لهم أكواب الشاى بالحليب و كيف يكره القهوة ...و تسمع الضحكات العالية تعلن عن المرح و سعادة فى القلب .. يمر الوقت سريعا فتجد نفسها تستأذنة للإنصرف ..و تتنمنى له حياة سعيدة مديدة ...لكنه يظل يردد "لا إنتظرى ..سأركى شيئا "...ثم أدخلها غرفة حيث أعماله التى لم تكتمل بعد ..لا يزال يعمل عليها ،كانت حوالى ثلاث لوحات ..
تتوجه إليه : كيف تترك مثل تلك الوحات الرائعة دون أن تنهيها...
فيرد قالا: لكل منهم قصة معى ...و يصمت.
فتسأله حنان "و ما حكايتهن " ... يجيبها عاصم"هذا ما سأقوله لكى فى المرة القادمة ..هلا تعاودى زيارتى مرة أخرى لقد سعدت حقا برؤيتك اليوم "...يتزلزل كيانها لتلك الكلمات الرقيقة ، وكان نظرها مصوب نحو مخارج الحروف حتى تختزن ذاكرتها كيف ينطق الكلمات .. ثم ودعته و خرجت متجهة إلى سيارتها .. وتردد بصوت مسموع للمارة ووجهها تعلو فوقه البسمة و كأن الفريق الوطنى سجل هدفا.."قد قالها ...كاد أن يقولها .. إنه يريدنى ..يريد أن يرانى "

فى المساء جفا عينها النوم ، ظلت تفكر فى عاصم و كيف كان يومها معه ...تنطلق إلى الهاتف و تضغط بخفة على الأزرار فيرن الهاتف و لكنه لم يجيب ... لكن تسمع صوته الحنون العذب .." أنا عاصم ..أسف لست متواجد ..أتركوا رسالتكم و سأرد بعد عودتى "
تغلق الهاتف بعد أن تملكها صوته ..و ظلت تحلم به و لا يشغها سوى صورته ...فلا تقوى على النوم دون أن تطمئن على عودته سالما ...و للمرة الاخيرة تمد يدها نحو الهاتف و لكنه يرن فتلتقط السماعة على عجلة متمنية أن يكون المتصل هو عاصم ... كان عمها مختار يطلب والدها فى أمر مهم ..و بلغها رسالة توصلها لوالدها ...و لكنها تنساها حينما تفرغ من المكالمة ... يرن الهاتف مرة أخرى ..و هنا قد فقدت الامل أن يكون هو ... ترفع السماعة و تقول ..مرحبا ..فيأتى صوته رادا عليها التحية ثم يقول "لقد هاتفنى هذا الرقم عدة مرات ..فمن المتصل ؟ "
تجيبه حنان "كيف حالك أنا حنان ..كنت أطمئن عليك و أشكرك على الشاى بالحليب ..هل أنت متفرغ غدا ..ما رأيك فى رحلة إلى الفيوم ؟ إنى ذاهبة غدا إلى الفيوم فهل تحب أن تأتى ؟"
أستحسن الفكرة و قال أنه عمل جاهدا طوال الاسبوع و يحتاج إلى الراحة ..فأكدت عليه الميعاد و كيف و أين سيلتقيان...و حيته و تمنت له ليلة طيبة ..

بعدها تذهب حنان إلى سريرها و تظل صورته مهيمنة على فكرها منشغلة بتفاصيل اللقاء ماذا تقول و كيف تتصرف ...و تستيقظ متفائلة فى الصباح ..و لما لا تكون وهى عازمة على مقابلته؟
بعد اللقاء وجدته متعب فقد سهر طيلة الليل على أحد أعماله لذا ألحت عليه بأن يستقل سيارتها ولا داعى أن يقود سيارته ..حتى يتمكن من النوم قليلا و يستمتع بباقى النهار ...اإستغرق عاصم فى النوم ..أما هى فظلت تراقب ملامح وجهه...و تشبه بالملاك النائم ..أما هو فلا يتقلب ولا يتحرك حتى أن أضواء النهار أو صوت الضوضاء لا يزعجه ...أنه منهك القوى ...قبل أن يصلا بقليل يستيقظ و يعتذر لأنه أستغرق فى النوم طويلا و أنه تركها للمل ..
تسترد إليه قائلة: هل تشعر بالجوع ..أنا أموت جوعا ...
قال عاصم : آه آسف ..سأنزل و أشترى لنا بعض الأشياء حتى نصل إلى الفيوم و نتناول الغداء...
ينزل عند أول محطة للبنزين ويدخل المتجر و يشترى عدة أشياء كان من ضمنها لبان بطعم النعناع ...فتترك حنان كل الاشياء و تنتزع اللبان بخفة يد،لكنه يمسك يدها و يقول "لا هذة لى خذى أنتى الاخرى بطعم الكرز"
و يتجادلان فتقول حنان من يمسكها أولا تكون له ...كأنهما طفلان يلعبان ..و تعلو ضحكات صبيانية ..و تعلن هى الاستسلام و يخرج هو منتصر..

يتركها تتحدث و هو منصت لها ..تحدثت إليه عن أهلها و حياتها و أحلامها و مشاعرها حتى مخاوفها ..و هو ينظر إلى عينها لا يحول نظره عنهما...ثم تدرك إنها تتحدث ولا تترك له مجال الحديث . فتعتذر عن سلوكها و أنها حمقاء .. فيهدئها بقوله إنه مستمتع بحديثها ... فما سيحكيه هو ليس إلا ماضيا ولى و إنتهى ...ساعتها تذكرت حنان الوحات الثلاث...و سألته عن سرهم ...
جاءت أجابته تنهيدة طويلة يشق بها جدار صمت السنين ثم يعتدل فى جلسته و يقول :
الصورة الاولى لزوجتى ناهد(يخرج صورتها من محفظته)كانت تملك الكثير من حسن الطلعة و توفت بعد عناء و صراع مع اللكيميا ،و أنى أفتقد حنانها ..هى الوحيدة التى أحببتها حبا خالصا طاهرا و ما خنتها يوما ...أما الثانية فهى لإحدى طالباتى التى نسجت خيوطها لتوقع بى فى شباكها حتى تزوجت بها عرفيا ..لكن زوجنا لم يستمر لصغر سنها و لأنانيتها و جشعها ...أما الثالثة فهى إبنة رجل بسيط هى فتاه تتميز بالبرأة و خفة الدم ...أشعر أمامها بأفتقادى لإحساس الابوة ...و أنى أحاول دعمها حتى تصير طبيبة ماهرة...
هذه هى اللوحات الثلاث التى لم تكتمل ...

ترد عليه حنان : أنت إنسان رقيق يا عاصم ..أسمح لى أتخلى عن الألقاب ..لم أكن أدرى أن السر وراء فنك هو تعبير مجسد لمشاعرك و حياتك ...و هنا تمتد إيدهما هما الاثنان معا نحو كوب الماء فتتلامس أيدهما فتخجل هى كثيرا و بأرتباك يظل عاصم يردد"أنا آسف ...آسف" ولا يوجد من جانبها تعليق و يمر الموقف فى هدوء...

فى طرق العودة يتحدث هو و يعبر عن سعادته و أمتنانه "إنى سعيد بالنزهة معكى ..لقد جاءت فى وقتها ..لم أشعر بسعادة مثل هذة منذ فترة طويلة ".
هنا توقف حنان السيارة جانبا و تترجل عنها و تطلب منه النزول حتى يشهدا غروب الشمس...فى تلك الأثناء يمتد بهما الحديث فيسر لها عن مشاعره الحبيسة و كيف أن جمالها لفت إنتباهه منذ أول مرة وقع نظره عليها و أنه ظل يتحرك حتى يراها من جميع الزوايا ..حتى إذا ما جاء عمها و عرف بعضهما إلى الأخر .. شعر بفرحة شاب فى العشرين يتحدث لأول مرة إلى الفتاه التى طالما كان معجبا بها ...ثم يتوقف عن الحديث و يقول " استمحيكى عذرا فأنا رجل أحمق كيف أفكر بمثل تلك الطريقة ..أنتى شابه جميلة و لكى مستقبل باهر فى شركة والدك ...و"
تقاطعه حنان قائلة " ما أدراك أنى سعيدة بكل هذا ..أنا لا أشعر بهذا مطلقا ...ليتنى كنت أشعر بألانطلاق كما أريد ..لا أريد السفر كثيرا لكنى أريد أن أكون آمنه أشعر بالاستقرار ...مللت العيش بتلك الطريقة.".
فيمسك عاصم بكفها و ينظر إليها " تتزوجينى " و يصمت لكنه لا يزال ممسكا بيدها لثوانى و يعيد علي مسامعها السؤال " تتزوجينى يا حنان؟"
و كأن الفرحة أضاعت الحروف من بين شفاها فلا تقوى على إنتزاع يدها من بين يديه لكن تنظر إلى الغروب ثم تنظر إليه و تقول " نعم"
و هو يضحك "هلا فكرتى مرة ثانية ...فلا تتراجعى عن قرارك"
و تبتسم و تجيبه " ألا تصدق ...نعم سأتزوجك ...لكن لابد و أن تكمل لوحتى أولا..."

تمت
Friday, November 14, 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق