الخميس، 17 يونيو 2010

مــذكــرات مــتـــــــــ -3- ــــــــمردة


-5-  

وحدى انتظر عودة اكرم من العمل ، لا احب تلك الساعات التى اقضيها وحدى فى الانتظار ...اليوم سأعد له مفجأة سنخرج فى المساء و لن تكون مجرد زيارة منزلية لأحد الاقارب او الاصدقاء بل سنخرج بمفهومنا القديم حين كنا نخرج سويا و تلتف زراعيه حولى تـفصح عن امتلاكه لى ...او كتلك اللحظة التى اشعر فيها بالزهو حين تـتـعانق كفينا و كأنها تقول" سأكون معك دوما ".افتقد تلك اللحظات الان بعد ان سار كل منا ملك الاخر غير ان مشاغل الحياة انتزعت تلك الاحاسيس و اللحظات فأصبح كل ما هو مرغوب مجرد حلم و ما هو مفروض مجرد واجب ...

ذات مرة عند المساء قامت شقيقة اكرم بدعوتنا الى منزل الاسرة حتى نجتمع جميعا لمشاهدة مبارة حاسمة فى هذا اليوم ...لبينا الدعوة بحب و قضينا وقت عائليا ممتع (الى حد ما ) و اجتمعنا حول المائدة للعشاء . مشهد ارى نفسى فيه منفصلة عن الجميع اشاهد الافواه و هى تتحدث و وجوه مبتسمة واخرى ضاحكة . ارى هالة ,ابنة خالة اكرم, تتحدث معه لا اعرف عن اى شئ بالضبط و لكنه يضحك ربما يجاملها لكنى اعرفه حين يضحك من قلبه و تحمر وجتناه و تدمع عيناه .ساعتها رايت كم هو جميل و لم اجد وسيلة اخرى كى استرعى انتباه سوى ان اخلع حذائى عن قدمى و اجعلها تشق طريقها الى قدمه عساه ينظر الى ...و رغم ذلك ظل يضحك و لم ينظر الى بل استمر بحديثه ثم رمقنى بعدها بنظرة اسعدت غرورى .و بعد عودتنا الى بيتنا وجدته يضحك منى و يستشيطنى غيظا ..امضينا ليلة حالمة يملائها الضحك .

انظر من شرفة غرفتى منظر للغروب لا يقاوم ...احتسى من كوب الشاى بيدى ...انه بارد كالثلج و ما يزال السكر فى قعره لم يذوب . فى ليلة شتوية ارتدى جورابا صوفى و "بيجاما " زهرية انتظر عودة اكرم من الخارج ...لقد ألفت الانتظار لكن اليوم مميز لا اطيق الانتظار ... يقطع رنين الهاتف احبال الفكر المتفائل بعودة اكرم و ليلة ذات طابع جامح .والدتى تحدثنى لكى تطمئن على سعادتى الزوجية و اخبار زوجى العزيز و هل هناك حدث سعيد منتظر منذ فترة ...اردد انه "خير ان شاء الله" و "الحمد لله" و" ربنا يسهل " تلك الردود المعتادة فى مثل هذا الحديث ...اى والدة تهتم بشأن ابنتها تحب ان ترى لها اولادا خاصة والدتى التى حلمت منذ صغرى بأولادى و أولاد اخى ...و عزة قد ابهجت العائلة بالصغار بنينا و بنات . تكرر الحديث بينى و اكرم عن هذا الموضوع بالفعل و كان رده دوما مشجع لكن فعله أغرب ....

اتذكر ليلة زرنا فيها مريم بعد ان انجبت "عوليا " ، حملت الصغيرة بين يديا و ضممتها الى صدرى آه من ذاك الاحساس ...لكم ودت ساعتها ان يصبح لى طفلة احتضنها بحنين و شوق ...فى طريقنا للعودة كان كلامى صريح مع اكرم و اجاب بانه يتمنى وجود الاولاد مثلى و اكثر و انهم رباط بين الوالدين يوثق علاقتهما...فى مساء تلك الليلة كان اللقاء كساحة لعب" الاستغماية" ..احدهما يبحث عن الاخر فلا يجده ..احدهما فقد الامل فى العثور عليه ...احدهما يتعلل بالارهاق و كثرة الانشغال ...إحساس من الانكسار الداخلى ..تمنيت ان ينشق الفراش فيبتعد عن جسدى ...انكمشت كل جزئياتى و حتى الدموع أبت ان تتساقط تلك الليلة ...نهارها استيقظت كأى زوجة قبيحة انظف البيت و اضع لمسات جمالية من حولى و فى الاركان و اعطر" الحمام ..." اعطر ثيابه و اتزين و ارتدى افضل ما عندى ..كم انا غبية هذا ليس سبب منطقيا يتعلل به الازواج حين يشرعوا فى الابتعاد عن كيان الاسرة..لكن بكل بلاهة كنت زوجة احدهما تريد استرجاع الاستقرار الى بيتها ...دبت الوساوس فى رأسى ان يكون أكرم على علاقة بأحدهن ...و هل يعقل ان يفعل و لم يتعدى زواجنا الثلاث سنوات ...؟

الفتور ..الفتور ...اصبحت غير مبالية بمشاعره ...لا اريد سوى الانجاب ...أعلم أنى على خطاء و لكن استنفذت كل حيلى معه و افكارى ...فكرت كثيرا ان افتعل شجارا و اطلب منه قضاء وقت منفردة فى بيت امى و لكنى تراجعت عندما اصيب بـ " نزلة برد" شديدة ، اضطر للبقاء فى البيت اسبوع كامل ...أُمرض وأ داوى ...لن ادعى انى ملاك من السماء يعطى بلا مقابل ، احيانا كنت اشعر بالظلم ليس منه فقط و لكن من الحياة او الموروثات التى تقيدنا ، فأنا لم أعد زوجة بل وعاء لإستيعاب ما يريد التخلص منه و قتما شاء هو ...أو عاملة نظافة بأجر زهيد تقوم بواجبتها دون كلل و بكل حب لانه كيان يخصها فى المقام الاول تبعا لما تعودنا عليه .

اطمئن أكرم على صحته بعد ان زالت "نزلة البرد " و بداء يباشر حياته الروتينية ..اليوم سأواجه انى لم أعد أطيق حياة الغرباء، اليوم سأعرف سبب عزوفه عن مشاركتى همومه و مشاغله الكثيرة التى كونت حائل بيننا ...اليوم سأطلعه أنى على استعداد لاى شئ حتى احظى بطفل منه ...اليوم لست بخير مطلقا ... افترضت كل شئ ؛ فتكت بنومى الظنون و الشكوك ؛ تساورنى الشكوك بوجود أخرى بحياة أكرم ..كيف أكشف ذلك ؛ و لو أنه كذلك ماذا سأفعل ؟ هل أواجه و أخيره أما أنا أو تلك الاخرى؟ كيف دخلت الى حياته ؟ من يمكن أن تكون ؟

عاد أكرم فى ميعاده المعتاد ..كل شئ كان العادى و كالمعتاد ، ربما هو لم يكون فى مزاج طيب لكنه عادى .هو جالس امامى على السرير ممددا ساقيه ...اتكور جانبه و اتـقرب اليه يظهر حنين زائف حتى يرضينى ...و كأن جبل إنهار على رأسى ...أكرم زوجى يـبـكى على صدرى . أتألم تـنـهمر الدموع من عينى لا استطيع ان اصرفها .امسح دموعه اقبل رأسه أضمه .لا افكر مطلقا فى البعد عنه ...لا طوعا ولا إجبارا .. أطلعنى على سره ،على كل ما كان يقض مضجعه ؛ على سبب انصرافه عن الملذات كان سرطان القولون.

الايمان ..الايمان سلاح كل مؤمن ....الايمان ان هذا قدر و اننا قادرين على الصمود ...الدعم هذا ما أتحتاج اليه ..و اجد هذا الدعم عند أكرم لذا دعمه فى اى شدة طريق لتخطى اى محنة . لو انى افعل اى شئ حتى استرجع حياتنا كما السابق لفعلت .الغريب هو الحياة ، ففى الوقت الذى كنت اشتاق لوجود طفل لم أحظى به و فى وقت اكثف كل جهدى لأكرم وجدت حلمى يتحقق ...نعم شعرت بفرحة و نعم ظللت افكر ...و أفكر... كلاهما مهم بالنسبة لى ...لعل هذا الجنين هو سبب أدعى لصمود أكرم أكثر و أكثر ...

 Wednesday, 3 February 2010

 -6-  

من الضعف نتعلم كيف نغير من انفسنا ..و معنى الضعف موجود فى حياة بنى البشر لعلهم لا يدركوه احيانا و ربما من ادركه لم يفهمه..و ان كانت مظاهر القوة خادعة ..فالالم يشعرك بالمعنى الحقيقى للضعف الانسانى ..فكم نحن ضعفاء مهما ادعينا من القوة .. الضعف الانسانى هو اول مرحلة من الاعتراف بالآدمية ،و من منا ليس ضعيف ...بالنسبة للرجل فإنه لا يعترف بالضعف بسهولة لان الضعف ليس من سمات الرجولة ...و هذا ليس ترفعا – بل ينشأ من حبه لكونه الرجل .

أكرم ليس زوجا لى فقط بل انيس روحى بما تحمله الكلمة من معانى التعلق و السكن .و هذا ليس ضعفا بل حكمة علمتنى إيها الحياة ؛ قد يكون الزوج مسافرا عابرا فى حياة إمرأة ، لكن أكرم واقع اريد عيشه كل دقيقة . الان ارى احلامى و سعادتى نصف كاملة سأكون أم بعد عدة اشهر و لكنى قلقة على صحة اكرم أكثر. إن كان يخفى آلمه فى صدره فإنى أشعر بذات الآلم لعدم احساسى به. إرتفعت معنوياتى كثيرا حين وجدت أكرم يتقرب الى الله أكثر فأكثر ، فكان ذلك مبعث للطمئنينة لديه ..و خطونا اولى مراحل العلاج و محاصرة المرض ...

أتخذت قرار بأخذ اجازة لرعاية الاسرة للعامين القادمين حتى اتمكن من الاهتمام بأكرم و طفلى .لم يـبدى أكرم اى أستحسان او اعتراض لكنى كنت مدركة انه مستحسن للفكرة .إنه خائف على و على طفلنا فقد يكون وحيدنا .أندهش كثيرا حين اقول انه لن يكون وحيدا و لو كان حملى الوحيد من أكرم .فقد استجاب الله لدعائى بان ارزق توأمان ؛ لكم بلغت سعادتى و سعادة اكرم حين رأينا صورتهما على جهاز الموجات الفوق صوتية " السونار " . ظل ينظر اليهما طويلا ربما يفكر فى اسماء لهما او كيف سيقضى حياته معهما . قاطعت شروده و امسكت يديه و ضعتها على كى يشعر بهما رغم علمى انه مايزال مبكرا حتى اشعر بحركتهما.اشعرانهما يشعران بنا يطوقان لتقبيلنا كما نطوق لضمهما . و تمر الايام مسرعة فى النهار يكون أكرم متماسكا لا يـبدى اى مظاهر للآلم ربما يعزو ذلك انشغاله بممارسة عمله داخل المنزل ..أما الليل فهو رحلتنا مع الالم فتتكالب عليه اعراض المرض ، قد يؤدى الكشف المبكر لشفاء تام لكن الرحلة ما تزال فى أولها .بدانا بجراحة دقيقة لإستأصل الورم و أخذ عينة للتأكد منها . زال الخطر نسبيا بالنسبة لأكرم لكن على مدار اشهرى الاولى من الحمل و ارهاقى لم أشعر بالراحة و هذا شهرى السابع بلغ الالم أقصاه ... بالنسبة لاكرم فإن المتاعب لم تنتهى ،فبعد إجراء الجراحة استكملنا مشوارنا بالعلاج الكميائى و عانى اكثر من أثاره الجانبية .

لن انسى تلك المرحلة بعمرى فمع تكون الجنينين فى أحشائى و احساسى بنبضتهما داخلى أخذ أكرم بيدى فى كل خطوة أخطوها فشعر بإحساسى و ضعفى و لكن صدقا لم اشعر بآلمه الحقيقى .ربما لم اتمكن لضعف قدرتى ؛ كنت اسند رأسى الى فخذه فيدرك انى قلقة من شئ فيغمرنى حنانا ، و حين يتملكه الضعف و الالم أضع كفى على رأسه و أتممتم بآيات أحفظها كى تحفظه و تزيل آلمه . كثيرا ما كنت اقاطعه اثناء عمله حين اشعر بتحرك الجنينين فى أحشائى فأسرع اليه فيظل يحدثهما .

حمدا لله خرج وليدينا الى الحياة معافين ...فغمرتنى السعادة و نسيت جميع همومى و آلامى حين رأيتهما .أما أكرم فقد بكى من فرط فرحته .لن انسى الدعم الذى و جدته من العائلة - أمى و أخى و أسرة زوجى التى هى أسرتى الكبيرة - أما ابنتى فأطلق عليها أكرم "جورية" لان بشرتها كانت تميل الى الحمرة فشبهتها والدته (ماما كريمة ) بالورد الجورى...أما ولدى فأطلقت عليه" سهيل " فكان كالنجم المضئ و دائم البسمة . تذكرت قول الكريم فى حديث قدسى :
"عبدي أنت تريد وأنا أريد ولا يكون إلا ما أريد فإذا رضيت عما أريد كفيتك ما تريد و إن لم ترض بما أريد أتعبتك فيما تريد و لا يكون إلا ما أريد" ..فحمدا لله كثيرا على ما أنعم به على و على العالمين .

بعد التفاف افراد اسرتى الصغيرة حولى عادت الحياة تملئ بيتى ثانية فكان " الخير على اقدام الواردين" تلقينا عدة أخبار مبهجة بعد 9 اشهر من ولادة الطفلين ... بدات بتمكن الاطباء من محاصرة مرض اكرم و استعداده لأخذ فترة من الراحة من العلاجات سواء الكميائية او الاشعاعية . استرد أكرم مكانته فى عمله فقد تقدم بمشروع و تم الموافقة عليه و سيصرف له نسبة من الارباح السنوية لهذا المشروع ، و على الصعيد الاجتماعى فقد تزوجت هالة ابنة خالته ، بذلك فقد اطمئن قلبى تجاهها، ستنشغل عنى قليلا . و شرعت فى التفكير فى مستقبل اسرتى و استقرارهما فى المستقبل ...و رسم خطوات لما سأفعله من أجل زوجى و أبنائى

Monday, 15 February 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق