الخميس، 17 يونيو 2010

مـــذكـــرات مــــتـــــ -5- ــــــــــمــــــــــردة



-9-

إنه شهر يناير أشعر بالوحدة احيانا و لا أشعر بالبرودة .إعتادت جورية إبنتى النوم جوارى فى غرفتها ؛ فأصبحت غرفتى مهجورة تبيت فيها والدتى إذا ما رحبت بفكرة المبيت عندى . مسؤلياتى عديدة تجاه عملى و الاهتمام بإبنتى و والداتى و أصدقاتى و معارفى و نفسى . أشعر بالفراغ التام فى بعض اللحظات التى تمر وكأن الدهر متوقف عندها او لا يكاد يمر ..

أما إبنتى فهى الان 14 ربيع ، نحن صديقتان تبوح كل منا للأخرى بما يجول بخاطرها و تنفض عنها ما يقض مجضعها .دوما كنت أتخيل شعورى حين ستسألنى إبنتى حول علاقاتها بالأخرين أو الجنس الاخر ؛ وكنت اشعر بالفضول حول إحساس أم لفتاه مراهقة عنيدة أحلامها هاربة كأمها فى عالم ملئ بالصدمات .جوجو أبنة الـ 14 بكت حين عرفت ان زميلها بالفصل معجب بزميلة لها لا تحبها ظللت اهون عليها انه لا يستحقها و ان الافضل ان تحب من يستحق حبها . راحت تسألنى عن حب حياتى كيف كان .

جورية : ماما أنتى حبيتى قبل كده ...؟ (تبتسم ابتسامة طفولية)
آسيل : طبعا حبيت .. مفيش حد يعيش من غير حب .
جورية : أحكيلى .. أحكى يا ماما...(بإهتمام) كان فى حد قبل بابا .
آسيل : أنا حبيت ابوكى ده حب ...مفيش قبله ..و انا صغيرة كان فى معجبين بأمك كتير ..أصلها كانت حلوة .
جورية : طيب مانتى حلوة يا ماما .. مش انا شبهك ..
آسيل : اتنى قمر .. بنوتة صغنونة لسة ...الفترة دى كان فيها إعجاب ..الإعجاب ده قريب من الحب ، بس الحب أقوى و أعمق و مبيتنسيش ...
جورية : طيب و النبى يا ماما قوليلى أنتى حبيتى بابا إزاى ...(و تضحك)
آسيل : شوفته اول مرة عندنا فى البيت كان جاى يشوفنى علشان يرتبط بى ..لما شوفته قلت ده شخصية صعبة اوى ..لما اتكلمنا سوا حسيت انه ...حسيت انى عاوزة اتكلم معاه تانى ... شوفته بعدها مرتين لوحدنا و قعدنا نتكلم مش فاكرة عن ايه بس كان بيضحك و عنيه كانت جميلة ...(تقاطعنى )
جورية : بابا رموشه طويلة ...و عنيه ضيقة أصلا ... شوفتيهم ازاى دول ..(تضحك بصوت عالى)
آسيل : بس عيب ده بابا ... انا حسيت به من أول مرة ...أكترمن مرة حسيت به فعلا .. بعد كده قلت ده الراجل اللى هكون معاه.. مرة لما كنا مخطوبين مشينا كتير لحد ما رجلى وجعتنى ..فقالى لو الدنيا تعبتك انا هنا علشان ترتاحى ...كنا ساعتها صغيرين بنتمشا على الكورنيش ... لف ناحية النيل و هو ماسك ايديا ..و فجأة بص فى عنيى بقوة (بعنياه الضيقة) قالى آسيل أنا بحبك أوى ...كان كل فين و فين عقبال ما يقول كلمة حلوة ...
جورية : هو الحب بيضيع لما الناس بتتجوز ليه ؟
آسيل : مين قال الحب بيضيع بعد الجواز ..الحب بيزيد يا جورية علشان اكتر اتنين بيكونوا قريبين لبعض هما الازواج لما تكبرى هتفهمى و تعرفى ...انا كنت بحب بابا و بابا كان بيحبنى و محدش بيقدر يكره حد حبه حتى لو متضايق منه ..
جورية : و أنتم متجوزين كان بيحبك يا ماما ...؟
آسيل : أيوة طبعا ..مرة كنت بعمل الغذاء و نسيت حاجة على النار و رحت عملت حاجة تانية ..كنتى منورتيش ساعتها الدنيا لسة ...لما رجعت نسيت إنها سخنة و مسكتها بأيدى فأتلسعت و صرخت و فورا لقيت أطراف صوابعى احمرت ... بعد كام يوم كان الحمد لله خفت لكن لسة اطراف صوابعى ملتهبة ؛ مسك أكرم أيدى و طبع بشافـيفـه على كل طرف بوسة ، و قالى " كده تحرقى صوابعك حبايبى..و حتى الحرق مش عارفة تتلسعى كويس ...! "
جورية : قــــــــــــهــــــــــقـ
ـــهــــــــة مــــــــتـــــواصــــــــــلـــــــــة

أستحضرت هذا الموقف من ذاكرتى كيف كنا و كيف بات بيننا البعد .. كيف انه كان يتلذذ بمعانقتى و تدليلى . . كنت زهرة نحلتها تمتص الرحيق بكل شغف ... الزهرة تكون مقفلة حتى تفقدها عذريتها قطرات الندى ..غير انى صرت زهرة مقفلة على كل ما بها ...و كيف تكون زهرة وسط صحراء الحياة ...

جورية : مفكرتيش ترجعو تانى يا ماما ...؟؟؟
آسيل : أنتى مش صغيرة ..أنا هكلمك بصراحة ..أنا بحب بباكى ..لكن حسيت ان الافضل انى ابعد عنه الفترة اللى فاتت علشان اقدر استعيد توازن حياتى...طبعا فكرت لو نرجع بس كان لازم بابا هو اللى يحاول مش انا اللى ابادر بالخطوة دى ...
جورية : يعنى لو قالك ترجعى ..هترجعى يا ماما ؟
آسيل : أفكر ... لو قلها و أنا حسيتها منه أكيد هنرجع ...
جورية : ( تنظر فى حسرة ..تتامل الساعة التى قاربت الـ 3 بعد منتصف الليل ...) انا عنيى بتقفل خلاص ..هـنروح بكرة عند خالو و هـتسبينى انزل" البسين" .. متقوليش ... استنى رحاب و مازن ...اوكى .
آسيل : سهرتينى يا لمضة ..ربنا يسهل بس نصحى الصبح و يحلها ربنا ...

نامت هى و تركت الاشواق ساهرة ..أدركت جيدا ان ابنتى تتمنى عودة والداها للبيت ..أنا ايضا أتمنى ذلك ...لانى أحبه ..لكن كرامتى المجروحة من يداويها غيره ...اشعر انى استعدت توازنى مرة اخرى و قدرتى على الحياة و لم أنسى سهيل يوما بحياتى ...لن أنساه مطلقا ...لكن أكرم هو أيضا كان يحتاج إلى فى وقت خذلته مثلما خذلنى ...كم أحسست بالحنق حين جاء فى حضور أخى محمود للإطمئنان على أبنتنا ...شعورى كان أكثر غصة حين بدت علاقتنا فى التحسن من أجل ابنتنا فصار يحدثنى هاتفيا للإطمئنان عليها ؛ صوته كان يعيدنى لذكريات لابد من تجاهلها...فى أحد مكالماته تعلل أن زوجته مريضة لذلك لم يستطيع ان يأتى لإصطحاب جورية فى نزهة...لم أظن مطلقا أن لقب" زوجتى " كزوجة لأكرم لم يكن يعنينى أنا . لم تكن هذة مزحة بالتأكيد لكنها كانت حقيقة مرة ...

أكرم : أسف يا آسيل بتصل فى وقت متأخر ...
آسيل : حصل خير يا أكرم ...
أكرم : فين جوجو ؟
آسيل : هى نايمة ...(كانت جوارى و تشير لى أنها لا تريد محادثة والداها و رفضت تماما)
أكرم : أنا غصب عنى ..مراتى تعبانة و كنت معاها عند الدكتور ..علشان كده مجتش اخد جورية ..قوليلها متزعلش و انا هأجى أخدها من المدرسة يوم الخميس و خاليها معاى ليوم السبت علشان هنروح اسكندرية يومين كده و عاوزها تيجى تغير جو ..ولا عندك مانع ؟؟؟
آسيل : لا أنت باباها ...مفيش مشكلة بس بدرى يوم السبت علشان يوم الحد هتروح المدرسة ضرورى ...
أكرم : و أنتى عاملة أيه ..أخبارك ؟
آسيل : أنا بخير الحمد لله
أكرم : لو عـزتى أى حاجة ..أنتى عارفة مقدرش أتأخر عليكى ..
آسيل : شكرا يا أكرم ...(فى خاطرى كنت أتسأل : ماذا لو أنى أريدك أنت؟ ).

بعد إنتهاء المكالمة أخذت جورية بالصياح فى ..

جورية : هو فاكر إن لما يقولى معلش ..هـسمحه كده ..لا و بيقولك خالها تيجى يومين معانا ..مين دى اللى اروح معاها ...
آسيل : (بحزم) جــورية ...اتأدبى و انتى بتكلمينى ..لو أتكلمتى كده تانى معاى و عن بابا أنا مش هـسمحلك ولا هسمع منك ولا هكلمك ..اتكلمى بأدب ...فى إيه حصل ظرف و مقدرش يجى ...انتى مش عاوزة تروحى اسكندرية دى حاجة تانية ...
جورية : أنا زهقت منكم .. (و تنصرف) .

اقف مذهولة أضم نفسى .. ألملم حطامى ...هذة ابنتى تحقد على والداها رغم حبها العميق له لانه متزوج من اخرى ..تحقد على و تحملنى سبب الطلاق ..أعلم انها تلومنى فى نظراتها الى ...هل خذلتها ..أم خذلتنى رغم اهتمامى برعايتها و تربيتها تربية مستقرة ...فكيف كانت لتكون هى لو انها نشأت فى بيت ترى امها راضخة لزواج والدها بأخرى ..او تأثرت بسوء العلاقة بيننا و بإحساسى أننى حية ميتة ...لم أستريح ليلتها مطلقا كنت أفكر فى كل تلك الاشياء و كيف كان صوت أكرم و طريقته التى تغيرت ..لم أشعر به فى مثل تلك التعاسة من قبل ....إنكسار ... شعرت بالغضب منه حين ذكر زوجته المصون ... "مراته" اللقب الذى لم يعرف به أحد غيرى ...و ربما لن يكون سواى بالنسبة لى فقط ... بعد اكثر من ساعة أتت جورية لتعذر عن سوء تصرفها و تعدنى أنها لن تعيدها قط ...سامحتها لانها مازالت طفلة لا تدرك انها تعبر عن أشياء ربما ستدركها حينما تكبر ...

إنها أجازة منتصف العام ...جورية عند محمود و تخرج يوميا مع رحاب و مازن اولاد خالها ...انا وحدى فى المنزل أدرس بعض أوضاع مدرستى الصغيرة ...الساعة السابعة مساء ..يرن هاتفى الجوال...ظننت إنها ابنتى أو محمود يطمئننى على الحال ...

آسيل : آلو ..
المتحدث : مساء الخير مدام آسيل ..أنا أحمد العزازى .. لو فكرانى
آسيل : آهلا دكتور أحمد.. أزيك و أزاى وائل ؟
المتحدث : أنا بخير الحمد لله و وائل تمام هو كان عاوز يكلمك و يطمئن عليكى .. معاكى أهو..
وائل : ألو ..إزيك يا ماما ...؟
آسيل : إزيك يا حبيبى ..عامل إيه؟
وائل : هتيجى أمتى ...؟
آسيل : قريب أوى ...قوم أنت بالسلامة و انا هجى و أجيب معاى اللعب اللى قلتلى عليها ...اسمع كلام دكتور أحمد.. أنت عارف هو بيحبك قد إيه ...
و ائل : أنا بحبه يا ماما ..حاضر ..

اتنهت المكالمة بعد ان اطمئننت على صحة الصبى و بوعد منى بشراء العاب و تقديمها له فى اقرب وقت بعد امتثاله للشفاء ...و سعدت بحديثى مع أحمد الطبيب ..بعد أن أكد لى أن وائل تتحسن حالته بعد سماع صوتى ...و اشار انه ايضا يكون سعيد بعد سماع صوتى و الاطمئنان على حالى ..

Wednesday,5 May 2010 
 
 
-10-
 
دوما كنت أحلم برجل أظنه استثنائيا ...ظننت يوما أنى سأقابله ، لذلك حين كنت أتعامل مع أى شخص كنت أتصنع برودا و لامبالاة وهما منى أنى بذلك ابعد ذاتى عن مطامع الطامعين و أصون قلبى لذلك المجهول الذى لطالما انتظرته ،و ضيعت سنينا كثيرة بحثا عن رجل وهمى لا وجود له .. بل أنى حفظت صورته فى خيالى الرومانتيكى و إنسرفت عن الرجل الحقيقى ظننا انه لن يكون أفضل من رجلى الحق ...
اكتشفت أنى مريضة بمرض عضال ..مرض الرومانتيكية ..تلك الرومانتيكية أصابتنى بتناقض حاد حيث انى دوما عاشقة أستمع لأغانى الرومانتيكية المريضة عن الحب و أتغانى بها ...قادنى حبى للفن و الادب الرومانتيكى السقيم إلى شيزوفرنيا من نوع خاص ..فما أن اتعامل مع أحدهم اخشى نظرة المجتمع لى كإمرأة ...بلا رجل ... مطلقة .. أخشى أن يطمع الذى فى قلبه مرض ...فكان الخوف من الاثم دافعا كى أصتنع لى رجلا وهميا ..

ثم حدث أنى قربت دكتور أحمد الى حياتى فكان صديق حقا ، يسمعنى حين تتكالب على المشقات و تزيد الحياة عنادا ...ثم بداء هذا التقارب يزيد و يزيد ، فصرت فردا من عائلته يتركنتى اتدخل فى شؤنه دون ضجر او تأفأف.حتى ابنتى جورية باتت تحبه و تحاوره و تشاكسه . أحمد العزازى واقع و ليس حلما اتخيله هو يريد القرب منى ليس طامعا فى علاقة او زواج بل اكثر ؛ قد عرف تلك الانسانة التى اكون عليها و تدارك جوانب أغفلها أكرم ...و لم يدعى ابدا المثالية و هذا ما أعجبنى فيه ..الحوار بيننا جسر متين فكنا نتحدث بالساعات نتناقش فى شتى المجالات: العلوم الحديثة و الثقافات المختلفة ..كان يتحدث دوما عن تجربته فى لندن و اليابان و كان ينتقد دوما سيجموند فرويد لنظرياته التى تحتاج الى دراسة متمعنة ...كان عاشق للأبنودى ..كان يفكر بعقل رجل ناضج و منفتح و مدرك لمشاعر المرأة و ثقافتها فى المجتمع العربى ...

الحب الذى بحثت عنه لا يعرف الإنتفاع او النفعية ولا يكون من أجل الإستغلال او من أجل مصلحة إقتصادية أو الحماية الاجتماعية .. وصمة عار بت أراها حين تتزوج إمرأة من رجل يحقق أمانيها المادية فقط فتكون تذكرتها فى عالم الزوجية جمالها و مدى إرضائها لذكورته ..و أن يكونا الحب و الزواج علاقة تجارية بين اثنين بعد أن تقدمت السنين بالفتاه ..فهى تبحث عن المخلص حتى يزيل عنها وصمة العنوسة ..إننا نعيش نكسة إنسانية قليل ما وجد علاقة حب حقيقية بين اثنين يكاد يكون معدوما ...فالعلاقة لا تقوم من أجل الحب أنما لأسباب أخرى.


دوما الرجل يكون أكثر من المرأة حظا فى الحرية داخل المجتمع فمع زيادة إحساسه بزهوه الطاوسى يتحول هذا الاحساس الى مبالغة فى السيطرة و الميل الى الانانية و السادية : فكم من زوج يتلذذ بعلاقاته خارج الزواج غير معتبرها زنا فهو يتعفف عن الرذيلة لكنه لا يجد عيبا فى علاقاته بأخريات مادام لا يوجد علاقة مظلمة محرمة..بل لفرط أنانيته لا تجد رجلا لقب بمطلق فى بطاقته الشخصية و تجد لقب مطلقة بالخط العريض فى بطاقة المرأة المطلقة ...كلما تمادى الرجل فى ساديته أصبحت سلبية المرأة و مبالغتها فى الخضوع و الماسوشية أكثر ضغطا و تشويها للعلاقة السوية بينهما .. و دوما ما يكون الرجل انانيا يغطى انانيته برداء مطرزا ؛ فغيرة الرجل على إمراته ليست الا انانية و حب للتملك فهى تصنف ضمن ممتلكاته كسيارته - و لعل السيارة أكثر قيمة - يخاف ان تسرق منه و حقده على السارق يكون أكبر بكثير من خوفه على الشئ المسروق . و حين تظهر أنانية الرجل فى كامل تأنقها تقابلها تضحية المرأة و إستسلامها ..المرأة ترى الحب تضحية .
و الحب لا يكون تضحية بالنفس و نكران الذات ...و الانسان الفاقد لنفسه او ذاته لا يستطيع الحب مطلقا ...لعل أحد أمثلة تلك العلاقة السادية من جانب الرجال و ماسوشية المرأة هو مساحيق الزينة لتطلى فطرة المرأة بألوان مصتنعة تنكر ما تحتها .. رغبة المرأة فى إرضاء أنانية الرجل و إشباع إحساسها بالإنجاز لا تقاوم؛ فهى تضحى بثقتها بنفسها بإخفاء الحقيقة وراء مساحيق ملونة تثير شهية الرجل و إقباله .. و تلك الزوجة التى تخلت عن ثقتها تسعى لتحتمى فى رجل لن يكون لها برا للأمان فهى دوما مهددة بأن يتركها بسبب او بدون ..ان الزواج الذى يستمر و نسميه زواج ناجح لم يكن بسبب الحب أنما بحكم التعود و العادة.

أصبحت كمثيلاتى من النساء نجهل الحياة كلما عرفنا معناها و نجهل الرجل كلما أحببناه و نتجاهل أنفسنا حين نرضخ للموروثات و المخاوف الاجتماعية العقيمة .. كم كنت غبية تتهاون فى حق ذاتها من أجل إحساسى بسمو ما أقوم به و لم أنتظر التقدير أبدا ...كل ما قمت به فى حياتى كان فضلا واجبا ، حتى حبى لزوجى كان واجبا ..انا لم أعرف الحب يوما ربما لن أعرفه لانه لم يعد موجود سوى فى الأدب و الأفلام . أرى بعينى أن ثورة الانسان لا تكون نتيجة لصراعات داخلية فى اللاشعور لكن صراعات خارجية فى مجتمع استغلالى .. الحب المريض كان نتيجة طبيعية للوضع الذى تكون تحت وطأته المرأة منذ ان سلبها المجتمع حقها فى عقلها و نفسها و لم يرها إى جسدا لتحقيق المتعة و الانجاب ...لقد أخفى المجتمع دوافع إقتصادية و إستغلالية وراء ستار دوافع أخلاقية و مسميات كانت حكر على المرأة ..العفة ..الشرف ..الفضيلة .

الفضيلة ...كلمة تبعث فى ذاتها معانى عديدة : طهارة البدن و العقل و الروح ... و تشير للقصور فى شخصية الإنسان و جوعه الدائم لإشباع إحساسه بالسمو و الترفع و الارتقاء ... الفضيلة لا تختلف أيا كان زمانها و مكانها ، و لكني بعد أن فكرت في الأمر مليا... نظرت و قرأت بعض ما نعيشه ، بت أقول بخلاف ذلك ...
إذا قلنا إن الستر على المخطئين فضيلة، ففي مجتمعنا الان تأيد للمنكر و تشجيع على الرذيلة، و يجب على من قبض عليه أن يُشهر به " واللي مايشتري يتفرج " . فالفضيلة تختلف في كل زمان و مكان و يمكن القول ان الفضيلة تسير إلى المقصلة.

زرتنى أحدى الصديقات فى بيتى مع ابنتها ... كانت مفاجأة بالنسبة لى ..أفا بعد كل تلك السنون ... تتذكرنى مريم و تمتد أواصل الصداقة مرة أخرى بعد سفرها هى و أبنتها ...

مريم : و الله ليكى وحشة ..أنتى أول حد أفتكرته بعد كل سنين الغربة دى .
آسيل : انا بجد فرحانة أنك رجعتى بالسلامة ...عوليا ما شاء الله عروسة ...أنتى غبتى اوى و حتى مكنتيش بترسلينى ...
مريم : حقك على انا فعلا قصرت فى حقك و حق ناس كتير ...بس كان غصب عنى ..ولادك عاملين إيه و أكرم؟
آسيل : كويسين الحمد لله ...أنتى عاملة إيه أحكيلى عملتى إيه فى الكويت و كنتى عايشة إزاى ؟
مريم : الفترة الاولى كنت حاسة بالغربة و إنى موجودة فى فضاء واسع لوحدى ...كنت حاسة إنى بعيش إيام من نور و أيام بعيش فى ضلمة ...(و هنا تخرج من حقيبتها سيجارة بنية اللون و تضعها بين أصابعها و تحركهما فى عصبية أو بدون وعى أمام وجهى ) ... سورى يا آسيل لو ميضيقكش هدخن بس سيجارة ...
آسيل : لا أبدا ..أتفضلى ..( انتفض جالبة لها مطفأة) .. أنتى بتشربى أدام بنتك كده...
مريم : (تضحك ) هى مش صغيرة ... هى عارفة أنى بدخن يعنى أدخن بس مش قدمها ..طب هتفرق إيه ؟؟
آسيل : مقولتيلش يا عوليا أنتى فى سنة كام دلوقتى ؟ (ألتفت للشابة)
مريم : (تسبق أبنتها فى الرد ).. هتدخل الجامعة هنا فى مصر ..

تنظر إلى الشابة و تبتسم و كأن الرد إنطفاء قبل أن يخرج من حلقها ...أتفهم جيدا نظرتها المكبوتة ..سرعان ما وجدت جورية تدخل من الباب و عرفتها إلى الضيفتين ... وجهت حديثى لإبنتى (شوفى طنط تشرب إيه و فرجى عوليا على أوضتك )..

بعدما خرجت الفتاتان ...أنفردت بمريم .."أتسأل حول ما حدث لها كيف تغيرت ..و لما تغيرت ؟؟" لم أتكبد الكثير من العناء لمعرفة الجواب ..أستتردت هى فى حديثها حول معارفها و علاقاتها ...حتى إنها أخبرتنى عن شخص تعرفه عن طريق موقع للتعارف ... رغما عنى أصدرت شهقة مسموعة ...فكيف هذا ...هذا ليس صحيح ...و إن لم تكونى زوجة فأنتى أم و قدوة ....و قد يكون ثعبانا أثم .

مريم : (تخرج من فمها تلك السيجارة المشتعلة و الدخان المتصاعد يحرق صدرى برائحته) الكلام ده كان زمان الدنيا إتغيرت ... إه المانع لو كانت معرفة محترمة ..صداقة ...
آسيل : (أجذب السيجارة بقوة و أخمد لهيبها فى جسد المطفأة البرئ) ...أنتى أتجننتى ولا إيه ...صداقة إيه و محترمة إيه ...أحنا هنضحك على بعض ...؟؟
مريم : (بنظرة مصدومة من ردة فعلى ) أنتى يا بنتى معزولة هنا فى مصر ...معشتيش اللى عشته ...متعرفيش يعنى أيه تبقى لوحدك ..متعرفيش يعنى إية تبقى محرومة ..
آسيل : مريم أنا و أكرم أنفصلنا بقلنا أكتر من سنتين ...
مريم : (نظرة من البلاهة و الصدمة )..تتأرجح عيناها بين جوانب الغرفة ..مش ممكن ..مش ممكن ..أمال صوره اللى على الحيطة دى أيه ؟؟؟
أسيل : مجرد صور ...صور لشخص كان فى الماضى كل حياتى ..أنا حطاها علشان بنته ..مفيش حاجة إتغيرت غيرى فى البيت ده ..
مريم : أنا أسفة على كلامى يا آسيل ..أنتى عارفة أنا طول عمرى مندفعة ..
آسيل : أنا فرحانة أنك رجعتى مصر و هتستقرى أنتى و بنتك ...
مريم : أنا أكتر ...مشوفتيش يحيى ؟؟
آسيل : الحقيقة لا ..بس سمعت أنه عايش فى اسماعيلية ..
مريم : عوليا نفسها تشوفه ..و بتتهمنى أنى بعدتها عنه ...
آسيل : أنتى بعدتيها عنه ؟
مريم : انا كنت ضعيفة .. كنت بتألم يا آسيل ...كان لازم يحس بالآم زى ..
آسيل : و تفتكرى حس ؟
مريم : ايوة .. كان بيبعت ناس لولدى فى البلد علشان يشوف عوليا ..و محدش كان بيقوله أنى سفرت ...تعرفى توصليله ؟؟؟
آسيل : مش عارفة ..إنما هسأل أكرم .
مريم : أنتم بتكلموا بعض ؟؟؟
آسيل : أيوة..العلاقة بنا عادية ..علشان البنت ..
مريم : صحيح هما راحوا فين ..

دخلنا على الفتياتان الغرفة و جدناهما منسجمتنان ..واحدة تقف أمام المرأة و تضع الزينة و الاخرى تتراقص على أحدى الاغنيات (بتاعة اليومين دول) أنظر لمريم و أضحك ..."عرفتى فين يا ستى "...

صعب الفراق دون أمل فى العودة ...أدرك هذا الإحساس جيدا فى كل مرة ...لقد فقدت أمى التى أنجبتنى و تعلمت بسببها كيف أواجه الحياة و الصعاب ، و متى أكشف عن أنيابى و أظافرى ... تمنيت انه كما حملت اسم ابى أحمل أسم تلك المرأة العظيمة التى عاشت و ماتت دون أن أحمل أسمها .

Thursday,10 June, 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق